الاثنين، 7 مارس 2011

الجيل الملعون

نحن من جيل منتصف الطريق. لسنا من جيل من يمنون علينا يوميا أنهم سبب كل الخيرات التي يعيش فيها البلد, وأنهم المناضلون الذين عانوا لكي نصل إلى مانحن فيه من قدرة على الكلام دون خوف من شيئ, ولسنا كذلك من الجيل الجديد الذي يريد تكسير كل المعابد على رؤوس كل الشمشونات لكي يعثر على دليلته الخاصة به والذي يعتقد أن الكل إما "باع الماتش" أو "باع الطرح" أو باع الوطن بكل اختصار.
ميزة الانتماء لجيل الوسط هاته هي أنها تعطيك القدرة على التحديق مليا في الجيلين السابقين لكي تقول لهما حقيقتهما معا دون أن تفكر كثيرا في العواقب والتبعات. الجيل الأول الذي لايتعب حاخاماته من ترديد جملة "شفتي أنا؟ عمرك كامل دوزتو حباسات", هو جيل قدم ماعليه والسلام. النضال لم يكن في يوم من الأيام فرض عين على أحد. النضال اختيار أولا وأخيرا, والمناضل الحق لا يناضل لكي يصل إلى أرذل العمر قادرا على التمتع بالحقيبة الوزارية الفارغة من كل محتوى إلى أن تنعيه يوما القناة الأولى الرسمية بعباراتها الإنشائية المسكوكة ببلادة غريبة من معجم خشب الصندل العتيد.
المناضل الحقيقي يناضل لكي يصل ببلده إلى موقع ما, وحين ينجح في الوصول بالبلد إلى ذلك الموقع يعتبر أنه قدم ماعليه وينزوي, ينسحب أو يواصل النضال حسب الظروف. هو لايقول لكل من يتحدث معهم باستمرار إنه صاحب فضل على كل الأجيال التي ستأتي بعده, وأن الجرح الذي يحمله في كتفه, أو "البونية" التي أكلها ذات يوم في دار المقري أو مولاي الشريف أو الكوربيس هي دين علينا جميعا أن نستمر في تأديته إلى أن تنتهي كل الأيام.
هذا الأمر لايسمى نضالا. هذا الأمر يسمى وضع وديعة في بنك الزمن ومطالبة الأجيال باستمرار بأداء الفوائد عليها إلى أن تنقرض هذه الأجيال. وأعتقد أننا وصلنا في المغرب اليوم إلى المرحلة التي ينبغي فيها علينا أن نحترم تاريخ الناس دون أن يطلب منا هؤلاء الأخيرون ذلك تحت التهديد بأنهم سيغضبون منا, وسيندمون على كل يوم نضال قضوه دفاعا عن قضاينا نحن الذين لانستحق كل هذا الهراء.
الجيل الثاني, هذا الذي نبت الآن, له طريقة مشابهة في التفكير لكن في الاتجاه الآخر. هو يعتقد أن الجميع بلا استثناء مشتركون في مؤامرة على الجميع. أطراف المجتمع وأطيافه تلتم يوميا من أجل التخطيط لشيء غامض, والراغبون في الحديث بصوت هادئ هم مناورون باعوا كل لقاءات الدوري الوطني, ويبحثون عن "ماتشات" من دوريات عالمية أخرى لكي "يعيدوا فيها البيع مجددا".
من ميزات بعض الجيل الجديد أيضا هذا الاكتفاء الذاتي المرعب الذي يحيا فيه. ألتقي بشباب في العشرين أو دونها اليوم في الفيسبوك, يبادرك الواحد منهم بالسلام, ثم يشرح لك أنك أنت وماتكتب وماقرأته على امتداد سنوات عمرك كلها لاتعنون له شيئا. "علاش آحنيني؟", لأنك ممخزن أنت وكل من يكتب في الصحافة المغربية اليوم. تشكره وتتمنى له ليلة سعيدة, وتقفل حسابك الفيسبوكي نهائيا, ثم تلعن الشيطان وتقول إن عليك أن تسمع صوت الجيل الجديد, لكي تعرف مع من تعيش ومن هم مجايلوك بالتحديد.
تخرج لك من الجنب فتاة صغيرة في السادسة عشر, تبدؤك بالسلام (بعدا مربيين هاد الدراري), ثم تطلب منك أن تتوب عن غيك وأن تدخل إلى دين الإسلام. تذكرها بأن المسألة حسمت منذ خمسة عشر قرنا في شبه الجزيرة العربية, وأنها حسمت أيضا في بلدك منذ أيام إدريس الأول والأمازيغ الباحثين عن ملك إلى آخر الرواية التاريخية التي تحفظها دون أن تكون متأكدا من صحتها. تستمع إليك الشابة الصغيرة, ولاتقتنع ختاما بل تنهي محادثتها معك بالقول بكل بساطة : أيها العلماني لعنك الله".
تردد في دواخلك "آمين", فأنت من اختار المحادثة في نهاية المطاف, وأنت من ينبغي أن يدفع عواقبها وكل الضرائب التابعة لها.
بين الجيل الأول والجيل الثالث يوجد جيل ثان, خير تجسيد له لمن يبحث عن تجسيد هم هؤلاء الكهول الذين يسجلون أنفسهم اليوم في العمالات والأقاليم بعد أن قيل لهم إن هناك وظائف في انتظارهم بعد سنوات طويلة من الحرمان. هذا الجيل الوسط لم يعش سنوات الرصاص مثل الجيل الأول, ولم يعش سنوات الفيسبوك والتويتر مثل الجيل الثاني. هذا الجيل عاش سنوات الخيبة العالقة في أعين الأمهات, ولحظات الغصة الكثيرة التي علقت بغير قليل من الآباء, وعاش مرارة "الشمتة" يوم أنهى دراسته بتفوق وقالوا له "إذهب أنت وشهادتك, فاجلسا أمام البرلمان, إنا هاهنا متفرجون".
هذا الجيل التائه بين مناضلي العهود القديمة وبين مناضلي الفيرتيال الجدد, يستحق بعد كل "التخربيق" الذي وجد نفسه فيه منذ البدء وحتى الختام, أن يحيا متأرجحا بين الجيلين, فلا هو هنا ولا هو مع الهناك. له اللعنة التي اعتنقها منذ أتى, وله بالتأكيد يوم سيرحل, المزيد من اللعنات.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يبدو أن صديقنا معمر سيناضل طويلا ضد أبناء شعبه, وسيقاوم رغبتهم في إزالته ولو اضطره الأمر لقتلهم جميعا وقتل نفسه معهم في الختام إذا تعذرت عليه المغادرة الطوعية. البعض ممن يسبون معمر هذه الأيام لا حق لهم في ذلك. هم كانوا مستفيدين من خيرات بترول الجماهيرية إلى أقصى مدى, وكانوا على العكس مما يفعلونه الآن ومما يفرضه المنطق السليم, يسبون من ينتقد معمر ويتهمونه بأنه يريد توتير الأجواء بين المملكة والجماهيرية.
أمثال هؤلاء عليهم أن يكتفوا بإخراج اللطيف هذه الأيام لكي ينتصر معمر وعياله, فيما عدا ذلك لايبدو لي أن أحدا يريد الإنصات لرأيهم في هذا الموضوع بالذات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق