الخميس، 3 مارس 2011

اللي دوا يرعف

تحدث حسن أوريد الناطق الرسمي السابق باسم القصر الملكي ووالي مكناس تافيلالت سابقا في ندوة الزميلة "أخبار اليوم المغربية" حول الثورات التي يشهدها العالم العربي, وقال كلاما صريحا للغاية لا يمكن إلا الترحيب به عندما يصدر عمن كان مثل أوريد قريبا من المحيط الملكي, راغبا في خدمته حقا, معروف الأهداف وواضح المرامي, لكن رد الفعل الذي صدر عن بعض أطراف السلطة كان بدائيا للغاية. خرجت "ضوسيهات" وليست ملفات من العدم عن أراض وممتلكات باسم حسن أوريد توجد في كل مكان من المملكة, بشكل يدفع للتساؤل فعلا : كيف تخرج هذه الملفات يومين فقط بعد حديث أوريد في الندوة المذكورة التي قال فيها إن "من يحب الملك يجب أن يقول له الحقيقة كما هي"؟
تحدث في الندوة إياها كريم التازي رجل الأعمال المشهور والمعروف بعصاميته وبكونه واحدا ممن صنعوا ثورتهم بأيديهم اعتمادا على أنفسهم. التازي قال كلاما يردده الجميع اليوم عن استحالة الجمع بين السلطة وبين المال, وهو كلام ينبغي في المقام العادي والمعهود أن نرحب به لصدوره عن رجل أعمال لا يمكن لأحد أن يتهمه أنه يريد قلب النظام أو أي شيء من هذا القبيل, لكن العكس هو الذي حصل. خرجت "ضوسيهات" عن والدة كريم التازي وعن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, وعن ضغطه عبر الصحف للوصول إلى مآربه الشخصية والتجارية. مرة أخرى طرح الناس السؤال: كيف تخرج هذه الملفات يومين فقط بعد أن قال التازي ماقاله في الندوة المذكورة.
هل نواصل؟ أم نتوقف؟ مولاي حفيظ العلمي الذي يتعرض اليوم لحملة بشعة للغاية يختلط فيها السب بالقذف بالتشهير, بنشر الكلام دون وثائق, هو الآخر الكثيرون يتساءلون عن سبب خروج ضوسيهاته اليوم إلى العلن وعبر الوسيلة إياها التي أصبحت متخصصة في تقديم هذا النوع من الخدمات دون أدنى حياء أو خجل, إلى الحد الذي يفسر الكثير من الأشياء, بدءا من الأحكام المخففة, مرورا بتعطيل الأحكام الكبرى, ووصولا ختاما إلى الأحكام القاسية ضد الخصوم.
ما الذي يقع بالتحديد؟ أو بدارجتنا الواضحة : شنو هو هادا؟ واش عارفين هاد الناس آش كيديرو؟ ولا غير كيشيرو وصافي؟" هل يعتقدون أن قمع النقاش حول الحرية في المغرب اليوم سيتم بهذه الطريقة, طريقة " اللي دوا يرعف"؟ تتحدث ياأوريد عن الإصلاح في ندوة إعلامية, طيب تعال هنا: أنت استوليت حين كنت واليا على مكناس على الأراضي الفلانية والعلانية. طيب أين كنتم من قبل؟ لم لم تخرجوا هذه الملفات إلا الآن؟ الواضح أن مصلحة البلد لاتهمكم, والصالح العام لايعني لكم شيئا, الأساسي هو الاحتفاظ بالملفات والاشتغال بها حين اللزوم. تحدثت يا كريم عن الإصلاح الاقتصادي, تعال هنا, هذا ملف والدتك مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية نخرجه لك لكي تعرف أننا نعرف كل شيء, لكننا نتغافل بإرادتنا إلى أن يأتي الوقت المناسب.
آسفون لقولها, ولكن الاشتغال بمنطق العصابات هذا لم يعد صالحا للزمن الحديث. من الممكن أن تخرج لشخص أو إثنين أو ثلاثة ماتريد من الملفات المخابراتية, لكن المستحيل أن تخرج لشعب بأكمله ملفات مشابهة, واليوم الكلام الذي يقوله أوريد والتازي وغيرهما قاله الشعب قبلهما بكثير, هما فقط يلحقان أو يحاولان اللحاق بطلبات الشباب المغربي التي تجاوزت سقف سياسيينا بكثير.
نعتذر مجددا, لكن من يفكرون بهذا المنطق الأخرق أناس تجاوزهم الزمن بكثير, والصحافة التي تلعب معهم هذه اللعبة هي ليست صحافة في نهاية المطاف, هي تشتغل وفق مهمتها التي أنشئت من أجلها والتي عبدت لها للوصول إليها كل الطرق, وهذه أشياء نعرفها في الميدان دون حاجة لجمع "ضوسيهات" عن أي كان لأننا نكتوي يوميا بطريقة الاشتغال هاته التي تريد إقناع المغاربة أن كل من ينادي بالإصلاح بينهم هو "شفار" لايحق له أن يتكلم أو يفتح فمه. وماذا بعد؟ لاشيء, الإبقاء على الوضع على ماهو عليه, والمزيد من تكفير النماس بالسياسيين وبالنخبة الاقتصادية التي قد تقدم نفسها بديلا لنخبة وصل الآن زمن انهيارها واختفائها من الوجود سواء وافقت على هذا الأمر أم رفضته لأن المسألة ليست باختيارها.
كان ممكنا لمن يفضلون الاشتغال بتفنية الملفات المخابراتية هاته أن يفتحوا التلفزيون لدقائق, أن يشاهدوا قنوات بلد يسمى مصر, وأن يسألوا أنفسهم أين رئيس النظام المخابراتي العتيد الذي بناه مبارك على امتداد سنوات؟ كان ممكنا أن يفتحوا تلفزيون تونس وأن يسألوا أنفسهم عن مصير بنعلي الذي أسس لمخابرات بوليسية لا مثيل لها في العالم كله, وكان ولازال ممكنا أن يتوجهوا صوب الجماهيرية التي اعتقد العقيد أنه قطع الهواء والماء عن ساكنيها بنظام الملفاتي, قبل أن يجد نفسه مثل المخبول هذه الأيام يضحك بعصبية وهو يردد "شعبي يحبني", دون أن يكون قادرا على تصديق ماوقع له على الإطلاق.
أعرف أن من يقررون الاشتغال بهذه التقنية يعرفون أمورهم أفضل منا بكثير, لكن ليسمحوا لنا في هذه أن نقول لهم إن سياسة "اللي دوا يرعف" التي انطلقوا فيها لن تنتج لنا في الختام إلا رعافا كثيرا, ونزيفا من كل الأنوف, وليس فقط من أنوف من يتم لكمهم هذه الأيام. والنظر السديد لهم قبل وبعد كل الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
اكتشفنا مع هبات الحرية المنعشة التي هزت العالم العربي أن الهواية الثانية للحكام في المنطقة بعد الحكم المزمن هي هواية وضع الأموال في الأبناك الأجنبية, والمشكلة هي أنه كلما سقط حاكم جديد منهم يكون الأبناك الأجنبية هي الأسعد بسقوطه لأنها تصادر الممتلكات وتخرج لسانها للجميع بذريعة تنفيذ العقوبات والتضامن مع الشعوب المقهورة.
حكام يودعون أموالهم في البنوك الأجنبية, ويطالبون المواطنين في خطبهم بأن يتضامنوا مع الوطن وأن يضحوا بالنزر اليسير من المال الذي يتقاضونه لكي يحيا البلد حرا وكيرما وعزيزا. ولاد الحرام, هكذا يقول المغاربة عمن كان بهذه الطبيعة وهاته الصفات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق