الجمعة، 4 مارس 2011

نداء تمغربيت

لازال القذافي قادرا على لفت أنظار العالم وانتباهه وكل حواسه إليه, ولازال حاكم طرابلس يمتلك في الجراب السحري الذي يستل منه خطبه العجيبة المزيد من الكلمات القادرة على إضحاك الناس أولا, ثم تحسيسهم بالكثير من الألم وهم يرون هذا الشكل من الحكام يسوسون المنطقة العربية.
ومعذرة على الشوفينية, وعلى الرد على من يقولون اليوم إننا نحس بالفخر لأننا عرب, لكنني لا أستطيع الإحساس بنفس الشعور بسب الثورات هنا وهناك. العكس هو الذي يتملكني حين أرى القذافي يقول لقناة أمريكية "شعبي يحبني", والعكس يتملكني حين أرى علي عبد الله صالح وهو يقول إن أمريكا تحقد على الديمقراطية اليمنية. قلبي يؤلمني حين أرى زين العابدين يقول بعد ثلاثة وعشرين عاما من قهر شعبه "لقد فهمتكم", وأحاسيسي كلها تتعطل حين أرى حسني مبارك يواعد شعبه بأن ينفذ له كل مايريده شرط أن لايطرد من الحكم ولو إلى شهر شتنبر القادم على الأقل.
حقيقة أعاد لنا الصغار الذين خرجوا إلى الشوارع بعضا من أمل في حياة هذه الأمة, لكن الأمر لا يكفي, إذ هو سيشبه خدعة مماثلة لتلك التي ابتلعها الأجداد والآباء يوم اقتنعوا أنهم فعلا ينتمون إلى "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة", اليوم علينا أن نستوعب الدروس التي مضت في كل بلد على حدة, أن نحترم إرادات الشعوب في التحرر من ديكتاتورياتها, وأن نفكر في مآل بلدنا لوحده, وأن نضغط على وتر "تمغربيت" اليوم أكثر من أي وقت مضى بكل قوة قد نملكها وقد لاتواتينا البتة.
السؤال الأكبر الذي لايطرحه اليوم أحد ممن يسخرون من القذافي ومن نكته البايخة, هو "كيف صبر الشعب الليبي على رجل مجنون لمدة إثنين وأربعين سنة؟", الجواب واحد من إثنين إما أن الليبيين كانوا أكثر جنونا منه لذلك ولوه أمرهم, وإما أن الجبن كبل منهم كل الحواس, وجعلهم لايبدون أي رد فعل إلى أن أتت الظرفية العالمية الحالية التي هبت على منطقتنا العربية, ونضجت الحركات الأصولية في القطر الليبي بما فيه الكفاية لكي تغتنم الهبة وتقود الناس هناك نحو الثورة على "الأخ العقيد".
وليعذرنا مجددا أولئك الذين لايرون إلا الجزء المليء من كأس هذه الثورات "المباركة", لكننا اليوم ونحن نعاين صبر شعوبنا على كثير من البلاءات, نعاين أيضا الخسائر التي ستصاب بها هذه الأوطان في أفق بنائها مجددا علما أنها ليست أوطان قوية اقتصاديا بل هي منتمية _ بكل فخر _ إلى العالم الثالث مايعني أن أمامها زمنا طويلا جدا لكي تعود للوقوف على ركبتيها أما القدمان فلم تقف عليهما في يوم من الأيام.
هل يستطيع أحد أن يقول لنا اليوم كم ستمضي مصر بين القيادة العسكرية التي تحكمها وبين بقايا مبارك الذين لازالوا في كل مواقع المسؤولية وبين الشباب الراغب في العثور على موطئ قدم, وبين الإخوان الذين يضعون العين على الثورة ويريدون اختطافها قبل أن يبدأ البلد في التحرك من جديد؟ هل يستطيع أيضا شخص ما أن يقول لنا إلى أين تسير تونس, وإلى أين سيسير اليمن السعيد بجهل رئيسه وقات شعبه؟ أما عن ليبيا فلا داعي نهائيا للسؤال, إذ لا أحد يرى مصيرا لهذا البلد المسكين إلا الحرب الأهلية ختاما أو عملية انتحار درامية للقذافي ونظامه على أعتاب الإمارات الإسلامية التي أصبحت تعلن عن نفسها في كل مكان هناك.
لذلك يبدو لنا جميعا اليوم أنه من الضروري أن نعود "لشوفينيتنا" المغربية الجميلة, أن نقفل علينا الباب, وأن نستفيد من دروس هؤلاء العرب الحمقى, لكي نتفادى كل أخطائهم, ولكي نستفيد من الأشياء الإيجابية التي حققوها, ولعل النداء الواضح الذي أطلقه الرئيس الفرنسي ساركوزي في ختام خطابه الأخير الأحد الفارط, وهو يشير إلى الاتحاد من أجل المتوسط الذي كان المغرب بلد إنشائه, هو نداء يهمنا أكثر مما تهمنا خطب القذافي المضحكة وبهلوانيات نظام بنعلي السابق, وحماقات عسكر وإخوان بر المحروسة.
اليوم _ وهذا كلام أشعر به بكل صدق _ شرعت في استيعاب المسافة التي وضعها المغرب بينه وبين العالم العربي وقممه المتتالية التي لامعنى لها, والتي كان كثير من أبناء الجلدة هنا يلومون قيادة بلدنا بسبب عدم ذهابها إليها, قبل أن يتضح اليوم أن أفضل شيء كان المغرب يفعله هو وضع هذه المسافة بينه وبين هذه القمم المضحكة, مع التركيز على علاقات ثنائية مع بلدان بعينها نستفيد منها فعلا ولا تكتفي بقذفنا بالخطب الفارغة كل ساعة وكل حين.
ربما هو موقعنا الجغرافي, ربما هو البعد عن هؤلاء العرب, ربما هي الصدفة, ربما هو حسن حظنا كمغرب أن اللحظة التاريخية منحتنا فرصة التفرج على كل ما يحدث الآن بدءا من تونس ومرورا بمصر ووصولا إلى ليبيا عسانا نمتلك ما امتلكه المغاربة منذ القديم, حسن الفطنة الذي سيسمح لنا بالاستفادة من كل مايقع من أخطاء أمام أعيننا, كي لانعيش نهائيا مايعيشه هؤلاء القوم مما عاشوه باستمرار وكنا الأكثر استعصاء على السقوط فيه على امتداد التواريخ والأيام.
أتمنى أن لايخلف بلدي الموعد الفاصل مع التاريخ, دون أي خسائر على الإطلاق, فدمنا المغربي أغلى من بقية الدماء, وترابنا أغلى بالتأكيد من بقية البلدان, وهذا كلام نقوله بكل شوفينية نتحمل منها كل النتائج وكل الخلاصات.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كيف ابتدأ الحديث عن التعديل الحكومي؟ وكيف انتهى؟ أين الصحف التي وضعت مصطفى التراب مكان عباس الفاسي منذ أسبوع أو يزيد؟ ولم توقفت عن لوك الكلام الذي نقلته لها مصادرها المطلعة بخصوص تعديل وشيك تم استدعاء الفاسي على عجل من أجل القيام به من قطر إلى مراكش؟
للأسف الشديد, لازلنا في البلد مضحكين على مستوى تداول المعلومة الحقيقية في صحافتنا, ولا زال بعضنا يسقط في فخ من يريدون الإيقاع به دون حرفية أو مهنية رغم ترديد الشعارات الكبيرة باستمرار. قارنوا حالنا بحال الصحافة الفرنسية التي كانت تعرف تعديل ساركوزي الأخير بحذافيره وستعرفون كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق