الثلاثاء، 15 مارس 2011

عنف غير مقبول

كنا مجموعة من الصحافيين يوم الأحد الفارط في ساحة الحمام وبعدها في مقر الاشتراكي الموحد. نعترف أننا لم نفهم سبب الإنزال الأمني المكثف ذلك الصباح, ونعترف أننا لم نفهم سبب الحدة التي تدخلت بها قوات الأمن ضد الجميع. لم يستثن رجال الموزوني والي أمن البيضاء الذي كان يقود العمليات في عين المكان أي شخص. اعتدوا على امرأة حامل, اعتقلوا صغارا قاصرين, ضربوا صحافيين, سرقوا (أقول سرقوا ولم ينتزعوا) آلات تصوير العديد منهم, استعرضوا عضلاتهم في الأزقة الجانبية لساحة الحمام وفي كل محيط زنقة أكادير, قبل أن يقرروا قرابة الثالثة زوالا تفريق اعتصام قاده المناضل النقي محمد بنسعيد آيت يدر للمطالبة بإطلاق سراح المحتجين سلميا ذلك الصباح الذين تم اعتقالهم, والذين تم الإعلان قرابة الثانية عشرة زوالا بأنهم قاربوا المائة وعشرين معتقلا ومعتقلة.
في تدخل مابعد الزوال كانت الصورة أشد وضوحا. بنسعيد وهو يتحدث لرجال الأمن ومسؤوليهم لم يعن لهم شيئا, الساسي وحفيظ ودعيدعة والشافعي وبقية قيادات الاشتراكي الموحد لم تملأ عين المسؤولين الأمنيين الذين كانوا يفكرون فقط في إيصال رسالة سيئة لنا جميعا مفادها أنهم "ماقفلو والو فالخطاب الملكي الأخير". ملك البلاد يخطب الأربعاء لكي يعبر عن إنصاته لصوت شعبه, ويقرر إجراء تعديل دستوري شامل, وقوات الأمن تعتدي الأحد الموالي في كبرى المدن المغربية على المحتجين سلميا في إطار الوقفات الحضارية التي دشنت منذ 20 فبراير والتي تقرر لها أن تتواصل إلى غاية 20 مارس, للتأكيد على أن الشعب المغربي متشبث بالمطالب الإصلاحية التي قدمها, والتي تمت الاستجابة لجزء منها ولازالت البقية تنتظر.
الاستجابة أو بداية الاستجابة لأننا لازلنا في طور الخطاب, ومافعله الأمنيون الأحد أعادنا بالفعل بسهولة غبية إلى ماقبل الخطاب. قال لنا مسؤول أمني لكي يفسر عنف التدخل إن الأمر يتعلق "بالعدل والإحسان", شرحنا للمسؤول الأمني زوالا أن العدل والإحسان لاتحمل هراوات ولا عصيا اليوم, وأنها تحتج سلميا رفقة شباب أطاك, ورفقة شباب 20 فبراير, ورفقة شباب باراكا, ورفقة شباب أحزاب مغربية أخرى.
قال لنا المسؤول "لا, العدل هي الأقوى, وهم يجندون الآن كل أتباعهم لكي ينزلوا إلى الشارع". مرة أخرى قلنا له إن المغرب الذي يريد الكل بناءه اليوم يجب فعلا أن يتسع للجميع, وإذا ماكان العدليون قادرين على تدبر موطئ قدم لهم بين الناس, وبين الحركة المطلبية التي تزهر في مغرب اليوم, فلا حق لأحد في منعهم, ولن ينفع المنع في أن يوقف زحفهم إذا كانوا نازلين. أقول هذا الكلام والكل يعرف موقفي من جماعة ياسين, لكن موقفي أشرس من تقليد الأنظمة الغبية التي رأيناها تسقطط أمامنا في تونس ومصر وهي تتهاوى اليوم في ليبيا.
موقفي أشرس من قمع الشعب, ولا أرى أي سبب يجعل قوى الأمن تتدخل بعنف مبالغ فيه لتفريق وقفة سلمية لم ترفع فيها أسلحة, لكن رفعت فيها شعارات فقط, لم يطالب فيها أحد بأي شيء خارج القانون, بل كانت كل مطالباتها تتمحور حول الرغبة في إسقاط الاستبداد.
وليسمح لنا من ينظرون لكل هذا العنف ضد العدليين بكونه استباقا لعنف أقوى تمارسه الجماعة باستمرار لكي نقول لهم إن مايفعلونه هو زرع للريح وأن الحصاد معروف وهو العاصفة. وأضيف أنني التقيت العديدين يوم الأحد ممن أعرف معارضتهم للعدل والإحسان وعداءهم لمفهوم الدولة الدينية الذي يحمله هؤلاء, وهم يعبرون عن تعاطفهم مع الجماعة فيما تتعرض له, ثم وهم يقولون إن "الرسميين اليوم يصنعون من الجماعة خصمهم الرئيسي, يهمشون شباب الحركة, ويصنعون وهم الزعامة لها في الشارع", باختصار هم يشتغلون ضد مايقولون إنهم يشتغلون لصالح تحقيقه, وهذا الأمر ليس له إلا وصف واحد هو: الغباء.
الغباء لن يتقدم بنا قيد أنملة إلى الأمام, واالغباء لن يعطينا الوقت لكي نقنع شعبنا أن إرادات الإصلاح الفوقية هي إرادات فعلية. شعبنا سيقارن بين مايقال له في التلفزيون وعلى صفحات الجرائد وبين مايراه من تنكيل للأمنيين بالناس في الشوارع, وسيختار ضفته بسرعة, سيقول "هادو كيكدبو علينا والمعقول هو اللي كاين فالزنقة, المعقول هو الضرب اللي داير والاعتقالات ديال الناس".
صراحة أعود إلى النقطة التي بدأت منها كلامي أعلاه: لم نفهم سبب كل هذا العنف, وسبب كل تلك الرغبة في تكسير وهم جميل عشنا على إيقاعه منذ الأربعاء الفارط. ذلك أننا الأحد كنا مضطرين للقول أن الفرحة الصغيرة التي عشناها لم يدم زمنها أكثر من أربعة أيام, ومن أصروا على أن ينغصوا علينا هذه الفرحة عليهم أن يستعدوا للأسوء إذا لم يتم إيقافهم عند حدهم. ففي نهاية المطاف العنف لا يولد إلا العنف, وغدا لن يلوم أحد جماعة نزلت سلميا إلى الشارع إذا ما استعد أنصارها بشكل غير سلمي لمواجهة أي عنف قادم.
ليحذر من يلعبون بالنار في وطننا مما سيورطوننا فيه جميعا, فالإنصات لصوت الناس وهم يطالبون بالإصلاح سلميا أفضل بكثير من الإنصات لصوتهم وهم يطالبون بأشياء أخرى بطرق أخرى مخالفة تماما.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
زملاؤنا أوسي موح لحسن وسعد داليا ومحمد عدلاني وحنان رحاب كان لهم حظ وافر الأحد من "السليخ ديال البوليس". تلقينا في البداية تطمينا من وزارة الداخلية أن من اعتدوا على صحافيينا لن يسلموا من العقاب, ثم تلقينا مايشبه الاعتذار من الإدارة العامة للأمن الوطني, لكننا في المساء فهمنا أن الأمر مجرد رفع للعتب.
عوض الاعتذار والوعد بتحقيقات لن تتم, كان ممكنا أن يتفادى رجال الأمن ضرب الصحافيين وضرب المحتجين سلميا, ومن الآن نقولها لمن أصدروا تلك الأوامر: من الصعب علينا أن نتعاطف مع من يضرب أبناء شعبنا ومن الصعب علينا أن نجد له أي مسوغ من المسوغات. عومو بحركم أيها الضاربون لشعبنا, أو تداركوا ماارتكبه بعضكم من أخطاء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق