الجمعة، 11 مارس 2011

ملك ينصت لشعبه

وجدت صعوبة في النوم ليلة الأربعاء الخميس. فرحا وابتهاجا وسرورا. أقولها بكل فرح، وبكل فخر أنني مغربي. سمعت ملكا ينصت لصوت أبناء شعبه، ورأيت كل من سبوا حركة ٢٠ فبراير قبل هذا الوقت، ومن اتهموا الشباب أنهم عملاء للبوليساريو ومأجورون لدى الخارج وتساءلت "اليوم وبعد أن أنصت ملك البلاد لهؤلاء الشباب، ما الذي سيقولونه ياترى؟" بالتأكيد سينخرطون في جوقة المدح الجماعية وسينقلبون على أنفسهم مائة وثمانين درجة، وسيؤكدون أنهم كانوا باستمرار من أنصار الحركة، ومن أنصار التغيير في المغرب.
يوم الأربعاء الفارط عرفت سببا إضافيا يجعل الشعب المغربي يتعامل مع محمد السادس تعاملا مختلفا تماما عن التعامل الذي تعامل به مع غيره من الملوك العلويين. يوم الأربعاء الفارط فهمت لماذا تحب امرأة مسنة وغير متعلمة في الأطلس المتوسط أو في أقصى منطقة شرقية في البلد أو في أبعد منطقة في الجنوب الملك الذي لاترى صوره إلا في التلفزيون..
يوم الأربعاء الفارط كانت لدي القناعة الأخيرة أن لدينا ملكا ينصت لصوت شعبه.
العديدون حاولوا أن يصوروا لنا أن تعاطفنا المبهم مع حركة عشرين فبراير في نظرهم هو شيء غير معقول. كانوا يقولون لنا "نحن لسنا تونس ولا مصر ولا ليبيا، لذلك رجاء توقفوا". كنا نرد عليهم "لأننا لسنا مصر ولا تونس ولا ليبيا علينا ألا نتوقف. من حق الشعب المغربي أن يطالب بالإصلاح وليس من حق أي كان أن يمنع عن شعبنا هذاالحق. والشعب سيقوم بواجبه في انتظار أن يقوم المسؤولون بواجبهم"، وهو الأمر الذي تم الأربعاء الفارط .
لعله الخطاب الملكي الأكثر انتظارا في تاريخ حكم الملك محمد السادس، بل هو بالفعل الأكثر انتظارا، ولعله الخطاب الذي أخرج الناس عن هدوئها المعتاد بعد الخطب لكي تصفق، لكي تغني النشيد الوطني في المقاهي، لكي تطلق لأبواق السيارات عنان التعبير عن الفرح بشيء واحد لايجب أن نستهزى به أو نسخر منه أو أن نعتبره عاديا: لدينا ملك ينصت لصوت شعبه.
ستصبح هذه هي كلمة السر بالنسبة لي وللعديدين. الأنظمة العربية الأخرى التي تمثل دور الطرشان مع شعوبها إلى أن تقع الفأس في الرأس هي أنظمة غبية، وهي أنظمة غير صالحة للتقليد لدينا. وحين يستوعب المسؤولون في الدولة على أعلى مستوى أن الشباب المغربي لا يريد أي سوء بالمغرب، لايريد قلب نظام الحكم، لايريد تغيير أي شيء نعتبره امتدادا تاريخيا لنا، الشعب يريد الإنهاء مع الاستبداد، فقط لاغير، هنا يحصل لدينا الاقتناع الكامل أننا سائرون في الطريق المستقيم نحو تحقيق مانريده جميعا للبلد.
طبعا هي البداية فقط، لكنها بداية قوية للغاية. وأعترف أنني مثل غيري من المغاربة كنت خائفا يوم الأربعاء ألا يحمل الخطاب إلا خبرا عن الجهوية الموسعة بعبارات تقنية فضفاضة وبجمل يصعب على الناس العاديين أن يفقهوا معناها، لكنني وبعد أن انتهيت من الإنصات للخطاب التاريخي الأكثر انتظارا في عهد محمد السادس تنفست الصعداء مثلما تنفسها المغاربة الغيورون على هذا البلد في كل مكان.
"دارت الماكينة" ولم يعد ممكنا اليوم أن تعود إلى الوراء. عجلة الإصلاح الحقيقية ابتدأت وشعار الملكية البرلمانية يبدأ خطواته الأولى نحو التحول العملي لكي يفهم المغربي أنه حين يتقدم بمطالبه بشكل سلمي وحضاري وموغل في التقدم لايمكن للصدى إلا أن يعود له حاملا الجواب المنتظر والفعلي والمتميز.
من قالوا إن الملك أسقط النظام أمس كانوا يبحثون فقط عن كلمات براقة تثير الناس دون أن تعني شيئا. المملك يوم الأربعاء الفارط أنصت للشعب . هذه هي الخلاصة، ماعداها كلام فارغ لايعني لي أي شيء. الملك أصاخ انتباهه صوب البسطاء من أبناء شعبه الذين خرجوا يوم ٢٠ فبراير يكتبون لافتة رائعة للغاية خطوا عليها "إننا نحبك ياجلالة الملك، أنقذنا".
النداء وصل لأنه كان خارجا من القلب، من عمق الانتماء المغربي لهذه التربة التي نستكثر عليها أن تسيل فيها قطرة دم واحدة دفاعا عن مطالب مشروعة في الختام علينا جميعا أن نستوعب أنها تريد الإصلاح للبلد لا أقل ولا أكثر، واليوم على هذا البلد كله أن يشمر عن ساعد الجد لكي يشتغل. الكل بدءا من الحكومة التي ستصرف ماتبقى من زمن في انتظار الدستور الجديد، مرورا بالأحزاب التي ينبغي عليها أن تصبح أحزابا حقيقية لكي تكون انتخاباتنا المقبلة فعلا نزيهة وغير مزورة، وصولا إلى كل مغربي ومغربية في مكانهما البسيط، لكي يقطعا مع أي تصرف سلبي نقوم به رغم صغر هذا التصرف، ولكي نقتنع أن البلد لن ينصلح حاله الكبير إذا لم نصلح حالنا الصغير نحن أولا.
لعلها الفرصة التاريخية الأبرز في تاريخ الدولة المغربية الحديثة أن ننطلق من البدء نحو مجتمع نستحقه بالفعل، نحو نظام حكم نستحقه بالفعل، نحو تسيير مشترك لهذه الصورة الجماعية المسماة مغربنا وهو تسيير نستحقه بالفعل.
ولا حق لنا بعد أن ننتهي من حماس الفرحة بهذ البداية المبشرة أن نخلف الموعد مجددا مع التاريخ. جميعا، لا حق لنا في أن نكون أغبياء وأن لانعض بالنواجذ على هذه الفرصة الكبرى التي فتحت أذرعها لنا.
المغرب اليوم ينادي كل أبنائه الحقيقيين المخلصين، أبناء البطن الحلال. "ماشي ولاد الحرام"، الذين استنزفوا الخيرات والذين أعلنوا يوم "حماض الشغل" أنهم سيكونون أول الفارين من هذا البلد.
المغرب لن يبنيه إلا أبناؤه الشرعيون، اللقطاء لهم مزبلة التاريخ، وقد حان الوقت لكي نتخلص من الكثير منهم ممن عرقلوا مسيرة هذا الإصلاح في هذا البلد منذ السنوات البعيدة. المغرب لن يبنيه بعد اليوم إلا "ولاد الحلال" هكذا وبكل اختصار يقول كل شيء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كلمة إضافية لابد منها في هذا المقام تهم آراء بعض أصدقائنا وزملائنا في الخطاب الملكي ليوم الأربعاء. على الإنسان أن يقرأ جيدا تفاصيل ماقيل وأن لاينجر وراء بعض الحماس الذي قد لايبدو مقبولا اليوم خصوصا بالنسبة لممتهني المعارضة الفارغة ممن لايملكون غيرها رسما تجاريا يضعونه على الرؤوس.
ملك البلاد أنصت لصوت شعبه، وأعطى الدليل على أنه يريد الإصلاح مع الشباب، ومن يرغبون في آمور أخرى لاقبل للمغاربة بها عليهم أن يفهموا أن الزمن اليوم هو زمن عمل لازمن مزايدات فارغة على وطن بأكمله. لابد من قولها وإن أغضبت هؤلاء. إذ أصلا من يهتم لغضبهم ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق