الثلاثاء، 1 مارس 2011

فيشل العرايسي

لانصيب لي في اختراع هذه الكلمة التي تعد لعبا على الحروف بخصوص الرئيس المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة فيصل العرايشي, بل براءة الاختراع هي لرجل برع في الصنف يسمى أحد السنوسي زاوج في الكلمة بين فشل فيصل العرايشي في الوصول بالقطب العمومي المغربي إلى بر الأمان, وبين الهوس الملحوظ على تلفزيوننا منذ أن حل على رأسه المواطن المذكور بالأعراس وبرامج "للا لعروسة" و"الهودج" لكأن الشيء الوحيد الذي ينقص المغاربة في تلفزيونهم هو الاحتفال بالأعراس الحقيقية والوهمية إلى يوم الدين.
تذكرت الللقب ونحن نتابع الغياب الكلي لقطبنا العمومي أو لما يسمى قطبنا العمومي عن أحداث البلد الجسام التي نحياها حاليا, وتذكرت أنه قد مرت منذ اللحظة الأولى التي تسلم فيها العرايشي مقاليد الإذاعة والتلفزة المغربية, ثم الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة مايربو عن الأحد عشر سنة هي كافية لكي تسمح لنا بإقامة مايشبه التقييم لعمل الرجل الذي يعد عمليا المسؤول الأول عن كل مايشاهده المغاربة في تلفزيوناتهم, وماينصتون إليه في إذاعاتهم.
أحد عشر سنة. مدة طويلة بحساب الزمن, لكنها بحساب التلفزيون مدة خرافية للغاية, إذ هي تتيح للعرايشي لو كان يتوفر على استراتيجية لتسيير القطب العمومي وقبله التلفزيون فقط أن يظهر "حنة يديه", وأن يترك بصمته على المجال ككل, لكن للأسف الشديد ماسيتركه العرايشي لتلفزيوننا هو قليل للغاية مقارنة مع اللحظة التاريخية التي تسلم فيها "حكم التلفزيون", ومقارنة مع الميزانية الهائلة التي وضعت تحت تصرفه, ومقارنة مع إطلاق يده بكل حرية لكي يفعل مايشاء في القنوات التلفزيونية منذ 2000 وحتى الآن.
المقربون من العرايشي _ ويعلم الله أنني أعرف منهم الكثيرين _ يقولون إن الرئيس المدير العام وضع استراتيجية القطب العمومي, أطلق القنوات التلفزيونية المتنوعة, تدبر أمر ميزانياتها, هيأ تقنيا الانتقال نحو الرقمي في كل القنوات التابعة لشركته, والبقية, أي ملء الشبكات البرامججية بما يرضي المشاهد المغربي هي مسألة ليست من اختصاصه ولكنها من اختصاص المدراء العامين المسؤولين عن كل قناة من القنوات التابعة له.
لن نناقش هذا الأمر بالنسبة لكل قناة على حدة, سنكتفي بنموذج واحد: قناة "المغربية", هل يعقل أن يتم التفكير في تحويل القناة التي كانت عبارة عن "فيديوتيك" لإعادة البرامج إلى قناة إخبارية تنافس بشكل أو بآخر الجزيرة والعربية, وأن يتم تكليف شاب صغير لايتجاوز الرابعة والعشرين بالتنسيق بين برامجها فقط لأنه إبن الوزير الأول؟
البعض سيقول لا للشخصنة, ونعم لانتقاد المنتوج وأفكاره مع الابتعاد عن الأشخاص. ياسيدي آمين, لكن فاقد الشيء لا يمكن أن يعطيه, ومناقشة منتوج أنجزه فريق تحت إمرة الشاب المذكور هي مسألة تدخل في إطار "الاستهبال" أكثر من دخولها تحت أي مسمى آخر. لننتقل الآن إلى أهم انتقاد يوجه إلى التلفزيون العمومي الرسمي المغربي: الأخبار. انتظرنا سنوات طويلة أن يعفو الله علينا وعلى المغاربة من الإنشاء في نقل الأنشطة الرسمية, وأن يتجاوز تتلفزيوننا تلك العقدة الغريبة التي يفهم بموجبها كل المشتغلين داخله أن عليهم أن يظهروا فقط الأشياء الإيجابية التي تحدث في البلد, وأن يشغل هذا التلفزيون باله يوما بمشاكل الناس, بمشاغلهم, أن يحيا معنا على نفس القارة المسماة مغربنا, أن لايشطح به الخيال باستمرار نحو الكوارث المسماة روبرتاجات حسب فهمه للروبرتاج, والفضائح المسماة تقارير صحفية حسب تصوره لها, والزلات الكبرى التي تحمل وصف التحقيقات وفق منظوره.
انتظرنا وانتظرنا وانتظرنا, ثم فهمنا أن الأمور ستسير على هذا المنوال. النشاط الرسمي بالإنشاء الركيك أولا, ثم التغطية على أخبار الناس الحقيقية عوض تغطيتها, والالتزام بمايريده "مالين الشي" بلا زيادة ولا نقصان", وإخراج اللسان للمغاربة كلما انتقدوا أو قالوا كلمة سيئة عن هذا التلفزيون.
حينما كنا نكتب عن هذا الجهاز العجيب _ ويعلم الله أن العبد لله أصبح يخجل من الكتابة عن هذا الموضوع لفرط إطنابنا فيه _ كنا نسمع الصدى بشكل مقلوب "خليهم يكتبو حتى يعياو, دابا يخوا ليهم الستيلو". كنا نقول, لمن يريد أن يوصل لمن يقولون هذا الكلام, فكرة واحدة صغيرة هي أن العالم لم يعد يكتب "بالستيلو" منذ عشرات السنين, وأن من يفكر هذا التفكير هو إنسان تجاوزه العصر نهائيا حتى وإن كان يبدو ظاهريا "ولد الوقت". كنا نقول لهؤلاء "نحن لانريد شيئا منكم, نريد فقط تلفزيونا يستحقه المغاربة عوض التخلف الذي تقدمونه لنا". لكنهم كانوا يجيبون "بقاو تنبحو", ولحسن الحظ أو لسوئه وصلنا الآن إلى زمن أصبح فيه ل"نباحنا" بعض الأثر وبعض الصدى, لكن بعد ماذا؟ بعد أن فات الأوان.
شيء واحد بقي لهؤلاء لم يفعلوه بعد في خضم إنجازاتهم الكثيرة التي اقترفوها , هو أن يرحلوا, أن يتركوا الجمل بما حمل, أن يستقيلوا أو يقالوا, أن يقولوا للمغاربة "لقد فشلنا في صنع تلفزيون يستحق أن تشاهدوه, وهانحن الآن نمضي بملاييرنا, بلوبياتنا, بأصدقائنا الذين أغدقنا عليهم المشاريع الفاشلة تلفزيونيا, المدرة للمال الكثير ماديا, لكننا ماضون, فسامحونا".
متأكد أنا أن شعبنا _ لطيبوبته الساذجة _ سيسامحهم, فقط عليهم أن ينسحبوا قبل أن يفوت الأوان مجددا, ويشرع الناس في المطالبة بأشياء أخرى غير رحيلهم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
كنت أعتقد أن الناس لم يعودوا ينتظرون من الاتحاد الاشتراكي شيئا إلى أن جاء الأحد الفارط, واكتشفت أن عددا كبيرا ممن أعرفهم ينتظرون موقفا حازما يعيد الاتحاد إلى شعبه, ويعيد للسياسة في المغرب بعضا من نظافتها وقليلا من قدرتها أحيانا على الضرب على الطاولة.
للأسف أو لحسن الحظ اتخذ الاتحاديون القرار الذي يعتقدونه ملائما لهم أكثر, وبالنسبة لمن انتظر منهم موقفا أكثر شجاعة, فهم غير مسؤولين بالتأكيد عن حسن ظن الناس فيهم. هذا ماأقوله لنفسي منذ الأحد الفارط على سبيل التفسير والمواساة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق