الاثنين، 4 أكتوبر 2010

ضوماج نيشان

علمت بخبر إقفال مجلة "نيشان" الجمعة عن طريق صديقين, اتصلا في الوقت ذاته عقب انتهاء اجتماع مساهمي المجلة المغربية الأولى لكي يخبراني بالنبأ. أحسست بألم شديد أعترف بذلك, لا لأني أكتب في "نيشان" زاوية أو عمودا بالدارجة, ولكن لأنني كنت قارئا وفيا لها منذ عددها الأول, وحتى العدد الأخير, أو مايفترض أنه الأخير.
الإحساس الذي يساورك عندما تسمع نبأ إقفال جريدة أو مجلة تتابعها هو إحساس عرفته من قبل لأنني من المدمنين على القراءة الصحفية منذ الصغر, لكن أسوء ذكرياتي في هذا المجال هي تلك المتعلقة بخبر إقفال جريدة "المحرر" الباريسية, وهي جريدة لاعلاقة لها ب"المحرر" المغربية التي تحولت إلى "الاتحاد الاشتراكي". كانت الجريدة الباريسية صحيفة ساخرة تصدر كل أسبوع, وتصل بيومين متأخرين إلى المغرب. وكانت تحفل بقدر غير يسير من الضحك من كل شيء, وفي العالم العربي المريض بكل أنواع المرض, كان قراء "المحرر" يعتبرونها نوعا من التفريغ لكل الضغط الذي تمارسه عليهم حكوماتهم.
كان البعض يقول إن نبيل مغربي مدير "المحرر" يلعب لصالح أنظمة عربية معينة, لكن قراء الجريدة كانوا يعشقون سخريتها وكفى. وحين توقفت الجريدة ذات أحسوا بيتم كبير خصوصا عندما كان يأتي الأربعاء ويتفقدون الأكشاك فلايجدون جرعة السخرية التي تعودوها.
قبل ذلك أو بعده عشت تجربة مماثلة مع مجلة "الصقر" الرياضية المتخصصة. كنت أتابعها كل خميس على ماأتذكر, وحين نشرت آخر أعدادها بعنوان واضح تقول فيه إنه الأخير أحسست بإحساس لم أعد لتذكره إلا مع ماوقع لمجلة "لوجورنال" ثم ل"نيشان" الآن.
وماذا بعد؟
لاشيء. فقدت الساحة الصحفية المغربية صوتا مغايرا أزعج, ناوش, شاغب, وخلق جدالات عديدة. أدى ثمن شغبه المرة تلو الأخرى, أو مثلما كتب أحمد رضا بنشمسي في بيان نعي "نيشان" "سلسلة من عمليات التضييق انتهت بالتضييق الإشهاري ماأدى إلى الإقفال النهائي". البعض وأنتم تعرفونهم جيدا, سيعبرون عن فرحهم لخنق صوت صحفي جديد, سيجدون صعوبات كبرى في إخفاء شماتتهم, وسيجدون من خلال تعابير خبيثة بالتأكيد مبررات شتى لاعلاقة لها بالمبررات الحقيقية التي تمسك بالصحافة المغربية اليوم وتجبرها على الاصطفاف في صف واحد أو...الموت.
لكن هذه الشماتة لاينبغي أن تخفي عنا الوجه الآخر للعملية: إذا سرنا على هذا المنوال, ستنجو جريدة واحدة في المغرب من "هولوكوست" الصحافة (دعونا نقلد الرميد في مصطلحاته وتشبيهاته "شي مرة"), وهي الجريدة التي يعرف الكل خفايا الحدب عليها بعد الصفقة الشهيرة. لكن هل يستحق المغرب أن يتحول إلى بلد الجريدة الواحدة والوحيدة؟ هل يستحق المغرب أن نختصر حريته والإيمان بالانفتاح فيه بعبارة "سبعيام ديال الباكور" التي يبدو أنها انتهت فعلا؟
أتصور أنه من العيب فعلا أن ندفع في هذا الاتجاه, وأعتقد أنه من الإجحاف في حق بلدنا أن نجلس متفرجين على هذه المقصلة وهي تقطع الرأس الصحفي تلو الرأس وأن نفرح لأن من نعتبرهم "مشاغبين" أو "مغايرين" سكتوا, صمتوا, سجنوا, أفلسوا, غيروا المهنة, غيروا الخط التحريري لكي يصبحوا مقبولين, أو هاجروا هربا من بلدهم, هربا من بلد لم يعد قادرا على الاتساع لكي تشمل رحابته الجميع.
شعور سخيف هو ذاك الذي يساور أي متتبع نزيه ومحايد لهذا الذي يجري في ساحتنا الإعلامية, وأنا لاأجد له وصفا, لكننا جميعا نشتم رائحته غير الطيبة كثيرا, ونرى الترتيبات الجارية لدفن كل صوت مغاير أو مختلف وترك المجال لمن يجيدون العزف على النوتة الموحدة إياها. وعلى المهنة, أو ماتبقى من المهنة, وعلى شتاتها أن يتدارك الأمر وإن كنت أعتقد أننا أضعف اليوم من أن نقف في وجه هذا المد الجارف, لكن علينا على الأقل أن نصرخ معارضتنا له, وأن نقول إنه يؤشر لأشياء أخطر نتمنى أن لانصل إليها أبدا, حتى وإن كانت المؤشرات تقول إننا ذاهبون إليها بكل تأكيد.
بالنسبة للزملاء في "نيشان" الذين قاسمتهم ذات أيام خميس عابرة طاولة الاجتماعات, لا أجد كلاما قد يصلح سلوانا, لأن ماوقع كان قاسي للغاية. لكنني أكيد أن ذلك الطاقم بالروح التي كانت تنبض فيه, وبالحياة التي يحملها في دواخله, وبرغبته في التعبير عن مغربيته بطريقته سيجد أكثر من طريقة للالتقاء مجددا في "نيشان" أو في شكل آخر من "نيشان". أما الأجمل في كل هذا فهو أن التجربة تركت أثرا واضحا على المشهد الصحفي والعام بشكل واضح للغاية, ومن الصعب اليوم حتى مع التوقف النهائي أو المؤقت أن نمحو ذلك الأثر.
تذكروا "كلمة" وتذكروا "أنفاس". مرتا من نفس المسار لكن تركتا الأثر الكبير. تلك هي الرسالة في الختام. أن يبقى الأثر, أما العناوين على اختلافها فمجرد وسيلة لترك هذا الأثر. ضوماج "نيشان", وإلى لقاء بكل تأكيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم أفهم من قالوا إن الرد بقوة على العدالة والتنمية وتصريحات بنكيران هو اغتيال للديمقراطية. هؤلاء إما يؤمنون فعلا أن الإسلاميين يعترفون بشيء إسمه الديمقراطية, وهذه يلزمها كثير البلاهة لتصديقها. وإما أن لحساباتهم الخاصة معايير أخرى تدفعهم دفعا للكذب علينا فقط للدفاع عمن تلتقي معهم مصالحهم اليوم.
في الحالتين لاحاجة لنا فعلا لتصديق هذا الهراء, والشعار الشهير "لاديمقراطية مع أعداء الديمقراطية" يبدو اليوم قابلا للتطبيق أكثر من أي وقت مضى.
صراحة ودون كثير نفاق. و"اللي بغا يغضب. شغلو هاداك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق