الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

العيون عينيا !

ماذا يقع في العيون؟ الصوت الذي وصل إلينا مؤخرا ممن أضحوا يسمون أنفسهم "الأسر النازحة" يطرح علينا جميعا هذا السؤال: ماالذي يقع بالتحديد في العيون؟
هناك الجزء الظاهر من جبل الجليد هذا : أناس معدمون في أغلبيتهم يعتبرون أنهم لم ينالوا حقهم من تجزئات سكنية وزعت على آخرين دون استحقاق، ويعتبرون أن هذا المطلب الذي لم تستجب له السلطات المحلية انضاف إلى مجموعة مطالب كانت لهم في السابق تعامل معها مسؤولوهم المحلين باستخفاف كبير، وبترويع لها لإخراجها من الطابع الاجتماعي، وإرهاب كل من يتجرأ على رفع العقيرة بالاحتجاج إلى أن وصلت إلى ماوصلت إليه اليوم.
"الله يرحم ادريس البصري ويغفر ليه" يقول الكثيرون اليوم، وهم يدينون التعامل مع سكان تلك المناطق الذي دشنه وزير الداخلية الأسبق، وسار على خطاه مسؤولون كثر أغلبيتهم مرت من مطابخ الداخلية يوم كان البصري عرابها، ماجعلها تحافظ على نفس النهج في التعامل وتحول مطالب بسيطة اجتماعيا من الممكن أن تحرج للمطالبة بها كل المدن المغربية إلى"مطالب يختفي وراءها "مناصرون للأطروحة الانفصالية" مثلما كا يأتي باستمرار في كل التقارير التي تبعث من هناك إلى هنا، ماجعل السلطات المركزية تتعامل مع سكان ذلك الإقليم باعتبارهم جميعا من "المؤلفة قلوبهم" أي الذين لايسكتون إلا إذا تم مدهم بمقابل سكوتهم، وهو التعامل الذي أنتج لنا الوضع المتفجر هناك والذي ينذر بالمزد.
أرعبني يوما أحد المسؤولين الأصدقاء وهو يقول لي "سكان داك القنت عطيهم لحلقهم ينساو اللي خلقهم". قلت في نفسي حيها إن هذا المسؤول يتعامل مع هذا الملف بهذه العقلية، ومن الأكيد أنه سينقل إلى رؤسائه المباشرين وإلى مرؤوسيه أيضا هذه العقلية، لذلك سيبدو لهم كل سكان تلك الأرض أناسا يبحثون عن المصلحة المادية فقط، ويضعون المغرب باستمرار أمام ابتزاز رخيص للغاية: "ديرو لينا اللي بغينا ولا غاديين نمشيو للبوليساريو."
لحسن الحظ الأهل هناك ليسوا على هذه الشاكلة، وقد اقتنعت مؤخرا بأن عددا من المسؤولين الذين تعاقبوا على المنطقة الجنوبية من مغربنا كانو يحرصون على الكذب في هذه النقطة بالتحديد لكي يطيلوا أمد بقائهم في منطقة يعجزون تماما عن التعامل معها بذكاء لازم وضروري.
بالعكس، هذه المرة كان الأهل في العيون أذكياء جدا وقطعوا الطريق على البوليساريو الذي يحاول الآن استغلال قضيتهم، وقطعوا الطريق أيضا على المتخاذلين من مسؤوليهم المركزيين الذين يحولون أي حركة احتجاجية بسيطة إلى طريقة مقنعة لمناصرة الانفصاليين. أهلنا في العيون اليوم يحملون الرايات الحمراء والخضراء، رايات بلادنا أولا وصور جلالة الملك لكي يؤكدوا أنهم مغاربة وأن هذا النقاش غير ذي موضوع بالنسبة إليهم وهو ليس حتى مسألة للجدال. وبالمقابل يطالبون بأن يتم الاستماع لمطالبهم، تماما مثلما يفعل أهلنا في بوعرفة، وتماما مثلما فعل أهلنا في صفرو ذات سنة سابقة، وتماما مثلما انتفض أهلنا في سيدي إيفني ذات لحظة فارطة.
المغربي لم يكن في يوم من الأيام ذليلا لكي يرى الظلم ينزل عليه ويبقى ساكتا. المغربي هو كائن حي يحب بلده ويحب أن يعيش في بلده بكرامة، لذلك على دولتنا أن تفهم أن هذه الحركات الاحتجاجية لتي تراها في غير مامكان من المغرب هي دليل حب للبلد أولا، ودليل رغبة في العيش فيه وفق مايحلم به المغربي، لا وفق مايفرض عليه.
ولنعترف هنا أن مايفرض على شعبنا قاس بعض الشيء وأن البون شاسع بين أغنياء الأزمة وبين بقية الشعب، وأن أقل من واحد في المائة من أهلنا يعيشون في بحبوبحة مبالغ فيها ماأنزل الله بها من سلطان وأن التسعة وتسعين في المائة المتبقية تكابد لكي تتعايش، أو مثلما يقول المغاربة شي عايش شي مخبي فيه".
أمر لاينبغي له أن يدوم بهذا الشكل الصارخ. وهنا لاأحد يطالب بإزالة الثروات عن القلة القليلة من الأغنياء، لكننا جميعا نطالب بتمكين الفقراء من العيش بكرامة فوق هذا التراب. لامعنى لمغرب اليوم يفصل بين أبنائه بهذا الشكل المحزن والمهين، ولا معنى لمغرب اليوم فيه أناس يبحثون عن لقمة العيش في "صناديق القمامة" . لامعنى اليوم لمغرب تصرخ فيه أسر بعشرة أفراد ويزيد، مطالبة فقط بقبر للحياة لايتعدى الخمسين مترا، ومعنا مسؤولون يراكمون الفيلات في زمن توليهم لمسؤولياتهم، والمفارقة هي أن الهراوة تنزل على رأس الأسرة التي طالبت بسكن لائق، وتنسى تماما المسؤول الذي أحسن اللعب جيدا فلم يترك وراءه أي آثر.
هذا البراح الشاسع المسمى وطني قادر على احتمالنا جميعا، وعليه أن يثبت لنا ذلك، مثلما يطالبنا باستمرار أن نثبت له حبنا، وأن نثبت له قبل الحب وبعده أن حبنا له هو بدون مقابل. وهذا أهم مافي الموضوع.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم أفهم هذا الأسبوع لماذا قدمت "دوزيم" سهرة باذخة للغاية مثل "شذى الألحان" في توقيت ظالم للغاية يوم الجمعة، وهي لاتتوفر على سهرة ليوم السبت، إذ اكتفت بتقديم أقوى فقرات الجرة التي يعرفها برنامج "سهران معاك الليلة".
حين يكون البرنامج متوفرا مرحبا، لكن عندما لاتكون هناك حلقة جديدة أو تكون "مشاكل" قد أِثرت على تصويره ورغم ذلك تقدم منه أفضل اللقطات ويقصى برنامج جيد إلى وقت ظالم، حينها علينا أن نطرح فعلا السؤال.
"الدراري فدوزيم، آش واقع بالتحديد فهاد الشي ديال المنوعات؟"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق