الأحد، 24 أكتوبر 2010

مرتاحو مهنة المتاعب !

اطلعت مؤخرا عبر الأنترنيت على مقال للباحث الإعلامي الصديق يحيى اليحياوي يتحدث فيه عن مهنة الصحافة ويقول إنها في المغرب لاتخضع للتوصيف الذي يطلق عليها في الغرب باعتبارها مهنة للمتاعب.
دليل صديقنا اليحياوي هو أن الصحافي المغربي لايشغل باله بالتحقيق أو الاستطلاع الحقيقي أو غيرهما من الأجناس النبيلة في الصحافة، بل يكتفي باقتعاد مكتبه والإبحار في الأنترنيت لغرضين إثنين: الشات والدخول إلى مواقع التواصل الاجتماعي أولا، ثم أخذ الأخبار وفق تقنية "القص واللصق" اللعينة لتي ابتليت بها الحرفة منذ زمان، وكانت بداية تقهقرها بعد أن اقتنع الناس أن بإمكانهم الذهاب قدما إلى الأنترنيت وقراءة مايريدونه فيه عوض دفع ثلاثة دراهم في جريدة تأخذ أخبارها من نفس الأنترنيت.
من زاوية المعالجة هاته لايمكن إلا الاتفاق مع صديقنا اليحياوي في طرحه، خصوصا وأننا نستطيع أن نضيف إليه المزيد مما نعايشه بحكم الاحتكاك اليومي بالحرفة وأهلها مما يؤكد طرحه ويكرسه. لكن النظر إلى المسألة من هذه الجهة فقط يتركها ناقصة بعض الشيء، إذ بغض النظر عن هذا الجانب التقصيري الفظيع في عمل صحافتنا على الأجناس الكبرى، وهو تقصير تتحمل مسؤوليته إدارات التحرير بجرائدنا الوطنية، ويتحمل مسؤوليته الصحافيون، لكن يتحمل القارئ الكريم أيضا جزءا لابأس به من المسؤولية فيه، أعتقده الأساسي بعد أن اقتنعت الحرفة بأن القارئ المغربي لايهتم بتحقيقات أو استطلاعات كبرى ولا يمكنه أن يجعلها سبب اقتنائه للجريدة التي يقبل عليها، مقابل اهتمامه بأجناس ثانية من حقه طبعا أن يوليها كل الاهتمام، ومن حق الصحافي أن يضع في اعتباره أنها هي التي تلقى القبول ولو اضطره الأمر ختاما إلى نسيان مهنته الأصلية وممارسة تفرعات وتنويعات عنها، إذا ما دقق فيها جيدا سيجد أن لاعلاقة لها بالصحافة.
(بغض النظر عن كل هذا ) الصحافة في المغرب هي مهنة المتاعب وأكثر، والمتاعب تنضاف إذا ما علمنا بطريقة الحصول على الخبر في بلدنا الأمين.
ذلك الوهم الكبير المسمى الحق في الوصول إلى المعلومة دونه الجبال. والخبر عندنا حالتان لاثالث لهما إلا في بعض الاستثناءات القليلة التي تعد في حكم الشاذ الذي لايقاس عليها نهائيا: إما جهة تصفي حسابا مع جهة "فتتطوع" لكي تعطيك ماتشاء من الأخبار التي تهدم صروح الجهة المراد تحطيمها، وإما جهة يهمها أن يخرج ذك الخبر في ذلك اليوم وفي ذلك التاريخ وبذلك العنوان وبتلك الصيغة بالتحديد لأغراض تهمها قد لاتبدو للصحافي، لكنها تكون مسطرة في عقل من قام بتسريبها أو إيصالها إلى الصحافة.
وللأسف الشديد، ورغم كثير الفقاعات الإعلامية العابرة للمجال، ورغم العديد من المحاولات الجادة بالمقابل التي يعرفها ميداننا والتي تحاول التأسيس لصحافة استقصاء وتحقيق، لانتصور أن الصحافة المغربية بارحت مكانها الأول، بل ربما تراجعت في السنتين أو الثلاث سنوات الأخيرة أكثر عما شهدته بداية الألفية الجديدة من نزوع نحو الشغب الصحفي الحقيقي: شغب البحث عن مكامن الغموض في كثير مجالات تهم المجتمع، لا البحث فقط عما يثير أعصاب الحاكمين مما تخصصت فيه صحافة وصلت اليوم إلى حتفها النهائي.
أكثر من هذا تبدو المحاولة التي قد تقوم بها جرائد جادة اليوم لتأسيس صحافة راقية تحقق وتستقصي فعلا محاولة أشبه ماتكون بالانتحار وسط مناخ صحفي يتم العمل بكل قوة على تمييعه قدر الإمكان، وجعله ساحة "المناقرة والسباب" المعروفة التي يعاين الكل خسائرها اليوم مما لم نعد قادرين على مجاراته أو الدخول في حيثيات استراره وبقائه.
هذا عن الخبر أما في مجال الرأي فالمسألة أفظع. تصور أنه من الممكن أن تقرأ يوميا لصحافيين يكتبون من وحي عقلهم وملاحظاتهم ومايفكرون هم فيه فقط هو تصور أضحى ينقرض يوما بعد يوم. عوضه أصبحت كتابة الرأي في الصحافة الوطنية في الغالب الأعم نقلا لتقارير استخباراتية، أو تصفية حسابات من الدرجة الدنيا، أو هرطقات ماأنزل الله بها من سلطان تعرض كاتبها ومن سمح له بنشرها للمساءلة القضائية لو كان للميدان رب يحميه.
لكنها بحمد الله ورعايته "سداح مداح". ومن الممكن أن تخلق فيها وتختلق ماتشاء من أجناس جديدة دون أن تخشى لومة لائم مما أنتج لنا "سنوات الضياع" المغربية التي تعيشها صاحبة الجلالة المسكينة لدينا. ألا يلقبون الصحافة في البلدان الأخرى بهذا اللقب الغريب والعجيب؟
بلى يفعلون ذلك، وهم يعرفون لماذا. أما لدينا فمن الممكن اختيار ألقاب أخرى تكون أقرب إلى الصحة وأبعد عن التمشخير الذي نحسه جميعا عندما يقول لنا شخص ما إنكم تشتغلون ضمن رحاب صاحبة الجلالة.
هي مهنة متاعب فعلا، لكن المتاعب لايحس بها إلا من كان مؤمنا بهذه الحرفة فعلا. أما "النجارة" فيحسون بالارتياح الكامل فيها، وهي تعيد لهم في ظروفها الحالية الراحة براحة أفضل منها.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
"دابا عاد بدا المعقول" فيما يخص غيريتس وعلاقته بنخبتنا. الآن لم نعد قادرين على ابتلاع الآكذوبة التي تقول إن غيريتس منقسم قسمين بين منتخبنا وبين الهلال، ولم نعد متقبلين للكلام الطيب الذي يروم طمأنتنا على نخبتنا ويحاول تطويل أمد الصبر عليها وعلى نتائجها السلبية.
ماانتظرناه طويلا وقع وتم الآن وغيريتس هو اليوم بين يدي جامعتنا ومنتخبنا، والأمل أن لايكون دهاقنة جامعتنا بصدد البحث عن مشاجب جديدة لتعليق القادم من الأفعال عليها..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق