الاثنين، 25 أكتوبر 2010

آيتنا المغربية !

لاأعرف ماهو شعور والدي الطفلة آية التي نشرت الزميلة "الصباح" قصتها, لكنني أعرف أن القصة التي قرأتها منذ يومين هي قصة مخجلة إذا صحت كل التفاصيل التي رواها والدا الطفلة للجريدة. الحكاية ومافيها هي أن آية التي تعاني من وزن زائد وجدت نفسها محرومة من الدراسة في مدرسة عادية بسبب وزنها, ووجدت نفسها فوق هذا وذاك وهي تتعرض للسب والشتم بعد أن طالب مسؤولو المدرسة والديها بإدخالها إلى "مدرسة ديال المعوقين".
جملة واحدة تقول لنا كل شيء عن حالة نظامنا التعليمي الذي يعتبر أولا أنه من الممكن جرح طفلة في بداية حياتها بهذا الشكل المهين, والذي يضرب ثانيا كل الخطابات الرسمية حول إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في البلد مادام مسؤولو هذه المدرسة اعتبروا أن إرسال طفلة سليمة ولا تعاني من أي مرض عقلي إلى ماوصفوه ب"مدرسة ديال المعوقين" هو عقاب لها لأنهم يعتبرون هذا النوع من المدارس معزلا يرسل إليه الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي يتم إخفاؤهم فيه, لا لكي يتم تأهيلهم حسب قدرات كل واحد منهم للخروج من الحالة التي حكمت عليهم الظروف بها.
الأنكى في حالة آية أنها لاتعاني من أي مرض عقلي أو تخلف ذهني يفرض هذا الإرسال, لكن عقلية التخلف الفعلية التي تعاملت بها المدرسة معها هي التي فرضت هذا النموذج المخجل والمهين في التعامل الذي يؤكد لنا أن الهيئة التعليمية ببلدنا قد تسلل إليها في غفلة منا جميعا أناس لاعلاقة لهم بها جعلوها على الشكل الذي هي فيه اليوم.
ولعله سيكون حسنا لو قارنا _ مادمنا قد قاربنا هذا الموضوع اليوم _ بين التعامل الملكي مع فئة الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة وبين تعامل أخر موجود في المجتمع نلاحظ للأسف الشديد آثاره المدمرة على الصغار وعلى أسرهم, وعلى المحيط العام الذي يعيشون فيه إلى الدرجة التي تجعلنا نحكم على هؤلاء بالموت منذ اليوم الأول لاكتشاف مرضهم أو حالتهم, ونفترض أننا ابتلينا بما يجب إخفاؤه, وعدم إطلاع الناس عليه, ما ينتج لنا في الختام تأزما حقيقيا لوضعية الطفل المعني بهذه الحالة الذي نحرمه حتى من محاولة عيش حياته وفق القدرات التي قد تكون متوفرة له ولا نشتبه نحن في توفرها لأننا انطلقنا منذ البدء من مسلمة أنه لن يكون قادرا على شيء إطلاقا.
المسألة لاتنفع معها الحملات التحسيسية الضيقة, ولا بعض المبادرات الشخصية هنا وهناك, ولكنها تتطلب منا تأهيلا فعليا لمجتمعنا الذي يمكن اعتباره مجتمعا ذا احتياجات خاصة لكي يفهم ماتريده هذه الفئة وما يتطلبه التعامل معها من مرونة كبرى, ومن تدقيق للوقوف عند التفاصيل الصغرى التي تصنع حكاية كل واحد من هؤلاء شخصيا رفقة أسرته ورفقة المحيط العام الذي يحيا فيه.
وفي هذا الصدد يمكن الاستفادة من تجارب متقدمة جدا في دول أخرى لاتحكم على هؤلاء الصغار منذ اللحظة الأولى بالإعدام, بل تفتح لهم المجال لإبراز مالديهم, وبعدها تتم متابعة حالة كل واحد منهم حسب تطوراتها وحسب قدرته على التأقلم مع وضعيته. بل إن دولا مثل الدول الاسكندنافية ذهبت بعيدا في المجال وهي تفرض في السنوات الأولى وضع هؤلاء الأطفال مع الأطفال الذين يوصفون "بالعاديين" من أجل منحهم أكبر قدر ممكن من محاولة الاندماج في المجتمع, وهو أمر لايمكن تخيله في مجتمع مثل مجتمعنا لازال مريضا بالشتائم الرخيصة التي يوجهها لهؤلاء دونما ذنب جنوه.
لا, بل إننا قد تجاوزنا مرحلة سب صغارنا أو كبارنا من ذوي الاحتياجات الخاصة لكي ندخل اليوم مرحلة توصف فيها طفلة سليمة تماما بأنها تعاني من تخلف ذهني فقط لأنها سمينة بعض الشيء وهو مايظهر لنا المسافات الكبرى التي علينا أن نقطعها بالعقل المغربي لكي نخرجه من حال إلى حال إذا ماأردنا لهذا الموضوع التي تعيشه المئات من الأسر المغربية في صمت حلا ذات يوم.
وإذ أنسى, لن أنسى منظر أب شاب التقيته منذ حوالي الشهرين عند طبيب صديق رفقة صغيره الذي يعاني من مرض التوحد. قال لي ذلك الأب إن "على وسائل إعلامنا التي تشغل بالها بالتوافه أن تخصص لهؤلاء في إعلامنا السمعي البصري أي الذي يصل إلى أكبر قدر من الناس فقرات خاصة لتحسيس الأسر بما يجب فعله ومايجب تفاديه عندما يكون لديها طفل يتطلب بعض العناية الإضافية", مضيفا أن رب الأسرة لايعرف لمن يتوجه إذا ما كان لديه طفل من هذه النوعية أو من نوعية مشابهة من الحالات الخاصة وأن رد الفعل الطبيعي الذي يلجأ إليه هو أن يخفي إبنه عن الناس, منتظرا شيئا سيئا للغاية : أن يختفي ذلك الطفل, لأن المجتمع الذي نحيا فيه لايعطي لهؤلاء أي اختيار آخر في الحياة.
هذه هي القضايا التي ينبغي فعلا أن تشغلنا على هذا المغرب الذي نعيش فيه: أن يصبح بلدنا قادرا على احتضاننا جميعا بخصوصياتنا كلها, وأن يمنحنا القدرة على الحلم فيه بإمكانية العيش حتى ولو كانت البداية غير مشجعة كثيرا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عينت الجزائر سفيرا جديدا لها في المغرب هو أحمد بن يمنية عوضا للججنرال العربي بلخير الذي توفي مطلع السنة الجارية بعد صراع مرير المرض. تعيين سفير جديد عادة هو فرصة لمساءلة العلاقات الثنائية بين البلدين موضع التعيين، وهو لحظة يترجى فيها البلدان معا أن يضيف ذلك السفير شيئا ما لخصوصية العلاقات مع الدولة التي عين فيها.
وهذا طبعا في الحالات العادية، أما في حالتنا مع جارتنا هاته، فاللحظة هي لحظة وضع اليد على القلب وترقب الأسوء، فللأسف الشديد لم يعد يأتينا من شرقنا إلا مايدمي الفؤاد ويكبده كثير الخسائر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق