الاثنين، 18 أكتوبر 2010

واش ممكن نتناقشو؟

لم أستغرب كثيرا حجم وحدة الردود التي صاحبت مقال "أحرار ولكن" (عدد الخميس الفارط), لأنني مقتنع تمام الاقتناع أن التيار الغالب في المغرب اليوم ليس هو التيار الظلامي, أو الإخواني أو المتطرف, ولكنه التيار الغبي, الذي يردد كلاما دون أن يفقه أي معنى من معانيه. وبمجرد مارأيت مقال "أحرار ولكن" - الذي خصصناه للدفاع عن الفنانة لطيفة أحرار وحريتها في تقديم فنها بالشكل الذي تريده دون وصاية متخلفة من أحد - وقد وضع في موقع "هسبريس" من طرف "أصدقاء" أستغل الفرصة لكي أشكرهم على "تقديرهم" المبالغ فيه لشخصي المتواضع, حتى علمت أن آلة الشتم ستشتغل من جديد, وأنها لن تترك فردا من أسرنا المسكينة لن تطاله برداءتها.
ومع ذلك لابأس. لنقل إنها ضريبة الحديث بلغة غير تلك التي يحب القطيع سماعها, ولسنا مستعدين لتغيير الديدن في هذه المسألة تحديدا, ولسنا ممن يداعبون "بنادم" في اتجاه الزغب أبدا. نحن نعتبر أن مهمة الرأي هي أن يكون حقيقيا, وصادما, وحرا, وجريئا, عساه يحرك العقول النائمة, ويخرجها من كسلها ولو بالسب والشتم. الأساس هو أن تتحرك قليلا, وأن تشغل المادة الرمادية التي لاتشك أنها موجودة بالفعل داخل دماغها. لذلك مجددا لابأس بكل السب والتجريح الذي قرأناه, ونكتفي مثلما يوصينا بذلك ديننا الحنيف بقول "سلاما" في وجه كل الجاهلين الذين خاطبونا.
سلام لايمنعنا مجددا من العودة إلى نص الموضوع وفكرته الرئيسية: من يخاف حرية الفن في المغرب اليوم؟ ومن يريد أن يوهم المغاربة أن أي جرأة فنية في إبداعهم هي رغبة في النيل من الهوية, ومؤامرة من جهات مختلفة لمس دينهم والإساءة إليه؟
واهم من سيظن أن الآلية التي تحركت ضد لطيفة أحرار في عرضها الأخير "كفر ناعوم" هي ألية اعتباطية حركتها غيرة بضعة معلقين في الأنترنيت هنا وهناك على مااعتبروه شرفهم المشترك كمغاربة. لو كان الأمر هكذا لهان, ولقلنا إنها حرية تعبير علينا احترامها فعلا, وهي إشارة من مجتمعنا لما يريده ويقبله, وعلينا أن نتحرك مستقبلا وفقها إما بالاقتناع أننا سنجلب علينا كل اللعنات إذا ما سرنا ضدها, وإما بتغيير الفكر والنظرية والالتحاق بالتيار القطيعي الذي يتحدث باسم المجتمع دون أن يكلفه هذا الأخير بهذا الأمر أبدا.
المسألة أعقد وأخطر بكثير. المسألة مرتبطة بتوجيه عام للشكل الذي ينبغي أن يكون عليه مجتمعنا في نظر جهات معينة. فيها من ينتمي لتيار الإسلام السياسي, وهو بالتالي يهيء لمستقبل البلد به, ويجب أن يقتل إن فعليا أو رمزيا كل من يشكلون النقيض له. وفيها المتسترون وراء جهات داخل الممسكين بزمام السلطة ممن يتساءلون عن هذه الجرأة التي يعيشها فننا المغربي, وأين ستقف بالتحديد, مدركين ولا شك أن من تجرأ على مساءلة التوافق الجنسي الكاذب في مجتمع يعاني من كل الأمراض المرتبطة بهذا المجال (من الاغتصاب إلى زنا المحارم مرورا بكل ماتريدونه من مظاهر الأعطاب الجنسية), ومن ساءل التدين المظهري السائد والمبني على النفاق في مجمله (من صلاة التراويح المراسيمية إلى احترام "ربعين يوم ديال شعبان" قبل شهر الصيام) سيسائل بكل تأكيد الفراغات السياسية الكثيرة الموجودة في البلد.
لذلك يبدو لهؤلاء أن إيقاف النقاش عند هذا الحد: حد سب من يعبرون عن رأي مخالف, واتهامهم بأنهم "ملاحدة زنادقة, والتلويح بارتباطهم بأجندات غربية أو أجنبية", كافيا لقتل النقاش في مهده تخوفا من أن يصبح كل هذا النقاش حوارا مجتمعيا فعليا حول شكل ديننا وجنسنا وسياستنا, وحول هذا الثالوث المقدس الذي يراد له أن يظل على وضعه الحالي دون أدنى مساس به, لأن في بقائه بالشكل الراهن بقاءا لكل المستفيدين منه.
وإذا كان لمسرحية "كفر ناعوم" من حسنة فهي حسنة فتح هذا النقاش بهذه الحدة اليوم. ولقد كنت مقتنعا على الدوام أن صورة ممثلة شبه عارية في مسرحية ستكون أكثر قدرة على إثارة النقاش في مجتمعنا من مئات المحاضرات والمقالات التي قد نكتبها أو نلقيها في تجمعات محدودة. لذلك أعتبر الفرصة ذهبية فعلا لنقاش حقيقي حول حرية الفن في بلدنا, وحول المسموح به فيه, وحول الممنوع أو الحرام أو المحرم . وأتمنى فعلا من الإخوة المعارضين أن يذهبوا إلى قرارة تفكيرهم وأن يعبروا عن تصورهم لهذه الحرية, وهل يريدون لها بعض الحدود المفهومة, أم يريدون إبادتها كلية.
سنفترض استمرار وجود بعض العقلاء معنا, وسنفترض أن الدعوة لنقاش مثل هذا في زمننا المغربي ليست ترفا لانستحقه, وسننتظر أن نقرأ في هذه الجريدة أو في مواقع الأنترنيت "الصديقة والشقيقة" أو في جرائد أخرى أفكارا تناقش "حرية الفن في المغرب اليوم", وتقنعنا أن المغاربة لازالوا قادرين على النقاش مهما بدا ذلك مستحيلا.
هذا هو الأهم في نظري المتواضع "بزاف", أما الشتائم فمثلما يقول زعيم الكوميديا العربية عادل إمام في "الواد سيد الشغال" ضاحكا: "على العموم, الشتيمة بتلف بتلف وبترجع لصاحبها". "هادا ماكان آلخوت".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أرسلت الجزيرة زميلينا أنس بنصالح ومحمد البقالي على التوالي إلى لبنان والسودن حسبما أخبرتنا بذلك جريدة "أخبار اليوم المغربية". إرسال يأتي لكي يضع حدا للصراع الذي جمع الصحافيين مع الدولة المغربية بسبب تصورهما لطبيعة العمل الصحفي، وبسبب عدم رضا وزارة الاتصال على مايقوم به الصحافيان خصوصا بنصالح الذي أثارت مشاركته في ندوة حول الإعلام باعتباره ناشطا السؤال حول التداخل بين مهمته كمراسل لقناة وبين صفته الجديدة كحقوقي.
"فصل السلط" لم يعد مطلبا يوجه إلى الدولة، بل أضحى مطلبا يوجه إلينا جميعا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق