الخميس، 14 أكتوبر 2010

أحرار ولكن !

أتابع منذ فترة غير هينة الفنانة الرقيقة لطيفة أحرار، وأعرف عنها هوسها بكل ماهو فني حقا . تنحت لطيفة في الصخر فعلا في بلد مثل المغرب، وتشغل بالها بالتنقيب عن الأشياء التي ستضيف للفن الذي تقدمه شيئا، ولاتهرب إلى التافه الرخيص أبدا، أو لنقل بعض اأحايين تحت مسميات اضطرار كثيرة. لذلك وحين رأيتها في "كوميديا" فهمت أنها تستوعب الفكرة المؤسسة للبرنامج والقائمة على اكتشاف مواهب شابة، وهذا أمر جيد، لكنني لم أفهم اصطفافها إلى جانب الرداءة التطبيقية التي كنا نراها في ذلك البرنامج، مثلما لم أفهم إلا قليلا مشاركتها في سيتكوم منذ سنتين على القناة الثانية، إن كنت مقتنعا أن الفنان ملزم بأن يعيش، وبالتالي هو ملزم بأن يشتغل ولو أن هذا النقاش ذو حديث فعلا.
لذلك أحتفظ عن لطيفة بشكل عام بتصور راق للغاية، وأعتبرها واحدة من الفنانات اللائي استطعن المزاوجة بين تكوينهن الأكاديمي الراقي وبين ماتفرضه الحرفة وظروف ممارساتها في المغرب. وحين علمت منذ زمن أن لطيفة بصدد الاشتغال على نص الشاعر المغربي ياسين عدنان "رصيف القيامة" فرحت كثيرا لسببين أولهما أن المسرح المغربي التفت مجددا إلى الشعر المغربي يجد فيه السند والعون على الرداءة القاتلة المحيطة به من كل مكان، والمتسربلة في شتى الرداءات، وثانيهما أنني كنت أظن باستمرار أن الشاعر والفنانة خلقا لكي يتفاهما - لكي نتذكر واحدة من الأعمال المسرحية المغربية التي لم يكتب لها كثير انتشار رغم الفكرة النبيلة التي حركتها - وأنه ليس هناك ماهو أفضل من ركح مسرحي لكي يمتشق فيه الشعر مكتوبا للمسرح صهوة كل الحكي، وصهوة كل الممكنات في القول والستحيلات.
هذا نظريا، لنمر الآن إلى التطبيقي، والعملي. كنا نعرف أن المسرحية حين ستعرض، "غادية تنوض القوق للخوانجية". ولطيفة كانت متأكدة من الأمر لأنها أسست لعرض قائم على التعبير الجسدي - ـوالتعبير الجسدي مادة فنية قائمة لوحدها تدرس في كل معاهد التكوين المسرحي لعلم المتطرفين - وقد عمدت لكي تمتص صدمة التلقي الأولى لبث صور تدريباتها المسرحية، وكان واضحا أن جسدها سيحضر في العمل لأنه من المستحيل ومن المضحك أيضا تخيل عمل قائم على التعبير الجسدي دون استعمال الجسد فيه
لكن عندما عرضت المسرحية وجدنا أن كل هذا الكلام النظري وكل هذه التهييئات التي قدمت لم تنفع في منع المتطرفين من التصريح بما يتقنونه أكثر من أي شيء آخر في الكون: تحريمهم للفن. خرج علينا النابحون من كل مكان معتبرين أن لطيفة أحرار ارتكبت جرما غير مقبول وقالت حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية في منشورها "التجديد" كاذبة إن "لطيفة أحرار تعرت أمام الجمهور، علما أن مفهوم لتعري يتطلب بعض التدقيق لأننا لانعتبر المغربيات اللائي يذهبن إلى الشاطئ والمسبح في الصيف عرايا، واحتد المهاجمون في الأنترنيت والمواقع المشبوهة وكالوا لأحرار مايريدونه من التهم، كاشفين عن شيء واحد لاثاني له : هو أن معركتنا الحقيقية ليست ضد التطرف. هي ضد ماينتج التطرف أي ضد الجهل.
لو كان من انتقدوا لطيفة والعرض المسرحي التعبيري الذي قدمته يعرفون معنى التعبير الجسدي لما وصلوا إلى هذا الحد من الرداءة في تعليقاتهم واتهاماته لها، ولو كان من نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق الكاذبة في هذا البلد يشاهدون قليلا من المسرحيات العالمية، أو لو كانوا على الأقل يديرون "الطبسيل" الذي يلتقط لهم برامج القنوات الفضائية جهة قناة "آرتي" الفرانكو ألمانية، لشاهدوا "العجب" من هذه الناحية، لكننا نتحدث هنا عن أناس لايقرؤون ولا يشاهدون، ولايسمعون، ولا يستمتعون، كل مايعرفون فعله هو التحريم والمنع.
معنا أناس يقولون كلما حرموا فيلما أو أغنية أو مسرحية إنهم لم يشاهدوها، وأنهم فخورون بعدم مشاهدتها وعدم الاستماع إليها، وأنهم لايجدون غضاضة في الأمر ولايجدون أي مشكل في انتقادها بل وتحريمها رغم عدم الاطلاع عليها. ما الذي يمكنك أن ترد به على شخص يقول لك إنه لم يشاهد المسرحية أو الفيلم أو العمل الذي ينتقده ولكنه رغم ذلك متأكد أنه يسيء للهوية ويحمل قيما مناهضة لها؟ وما الذي يمكنك أن تقوله لشخص تقدم له ممثلة عرضا من عروض التعبير الجسدي في قالب مسرحي رفيع، ويحكم حكما واحدا على العمل بالقول إن "لطيفة أحرار تتعرى أمام الجمهور في مراكش"؟ طبعا لارد إطلاقا.
كل ما في الأمر هو أننا يجب أن نلتزم أكثر فآكثر بهذه المواقع القليلة التي أضحت للراغبين في التعبير عن أنفسهم وعن إبداعاتهم دون حجر أو وصاية، وعلينا أن نفهم أن واحدة من أهم معارك المغرب اليوم هي معركة الحرية الفكرية والإبداعية لأن من يضربون في هذا الجانب الآن يعلمون علم اليقين أنها البوابة الوحيدة للانعتاق من تخلفهم الذي لايريد عنا فكاكا.
علينا نحن فقط أن نمتلك مايكي من الوضوح الفكري لكي نعرف أن وقت الصمت عليهم قد فات، وأن من يسكت اليوم هو متواطئ معهم دون أدنى جدال.
لطيفة، شكرا لكل لأنك كنت سبب خروجهم من الجحور مرة أخرى.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لم يتأخر رد المغرب على التصريحات الاستفزازية لرئيس فريق الهلال عبد الرحمان بن مساعد الذي هدد باللجوء لما أسماه "وسائل أخرى" لإجبار الجامعة المغربية على عدم استقدام غيريتس إلى المنتخب، حيث قال منصف بلخياط إن غيريتس سيلتحق فعليا بالفريق الوطني يوم ١٥ نونبر المقبل واضعا بذلك حدا لهذا المسلسل الكاريكاتوري الذي عاشه المغاربة على امتداد شهور.
في حالة العكس، أي في حالة عدم قدوم غيريتس في هذا التاريخ، تعرف جيدا سيد منصف ماعليك أن تفعله. أليس كذلك؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق