الجمعة، 8 أكتوبر 2010

عشاق البراني

تلقينا خبر تعيين جون مالكوفيتش رئيسا للجنة تحكيم المهرجان الدولي للفيلم بمراكش عن طريق الصحافة الأجنبية, وبالتحديد عن طريق صحافيين فرنسيين اتصل بهم مسؤولون عن المهرجان وأعطوهم هذا السبق لكي يهتموا به في صحفهم. الجميل أو المحزن أو الطريف أو المثير للسخرية هو أن الصحافيين الأجانب الذين تلقوا الخبر لم يحتفوا به إطلاقا, بل اعتبروه عاديا وأدرجوه في صفحاتهم الداخلية معتبرين أنه خبر عادي عن مهرجان ينظم في المغرب والسلام.
السؤال اللامفر منه الآن هو : لماذا يلجأ مسؤولو الاتصال في مهرجاناتنا الفنية الكبرى إلى هذا التعامل مع صحافتنا الوطنية؟ جميعنا مر في يوم من الأيام من مهرجان سينمائي عالمي أو عربي, وجميعنا شاهد كيف يتعامل مسؤولو تلك المهرجانات مع صحافة البلد أولا, ثم مع الصحافة الأجنبية ثانيا. في كان مثلا التي تحتضن أكبر تجمع سينمائي عالمي كل شهر ماي من كل سنة عبر مهرجانها الدولي, لايمكن أن تتخيل انعقاد المهرجان دون أن تكون للقنوات الفرنسية الأولوية في الوصول إلى كل المعلومات والأخبار المتعلقة بذلك المهرجان. لايمكن أيضا تخيل انعقاد الحدث دون أن تكون للجرائد والمجلات الفرنسية أولا وبعدها يأتي الأمريكان والقادمون من كل مكان في العالم الأسبقية في الحصول على الخبر المتعلق بالمهرجان.
الأمر ذاته ينطبق على المهرجان السينمائي الدولي بالقاهرة لئلا يقال لنا إننا نقارن مراكش بكان, والعياذ بالله من المقارنات الظالمة. المصريون أولا, وصحافة الأشقاء قبل الكل ثم يأتي الدور بعدها على الصحافة العربية والصحافة الأجنبية. بل إن مهرجانات صغرى ولدت بعد مهىجان مراكش بكثير مثل أبو ظبي أو دبي تحرص هي الأخرى على أن تكون لصحافة البلد المنظم الأسبقية في كل شيء يهم المهرجان, وليس في الأمر أي سر أو شوفينية أو تعصب للبلد.
المسألة ومافيها هي أن اهتمام صحافة البلد بالحدث الذي يحتضنه البلد هو اهتمام مفهوم, ولن تهتم صحافة أي بلد آخر مهما استدعينا صحافييها, ومهما "أكرمناهم" بذلك الحدث أكثر من الصحافة المحلية مهما "بهدلنا" هذه الصحافة المحلية. الأمر له علاقة بأولويات كل صحافة. فبالنسبة للفرنسيين مثلا الذين يأتون إلى مراكش كل سنة, المهرجان لايعدو كونه فرصة "للديبيزمون" أو تغيير الجو مثلما يقولون هم باستمرار.
قلة قليلة منهم تتعامل مع المهرجان باعتباره فرصة لمراجعة حقيقية لشكل المهرجانات السينمائية التي تنظم في العالم العربي أو إفريقيا, وقلة قليلة تؤمن أن المهرجان يحمل في طياته بوادر مهرجان سينمائي حقيقي. الأغلبية تعتبر الدورة نشاطا سياحيا لايختلف في شيء عن موسم إملشيل للزواج أو عن تظاهرة للإبل أو تربية الماعز في الجبال. علينا فعلا أن نفهم هذا الأمر, وأن يتوقف مسؤولو الاتصال في مهرجاناتنا _ وعلى رأسها المهرجان الأكبر والأهم أي مهرجان مراكش _ عن التعامل مع صحافتنا المحلية باعتبارها صحافة تأتي لكي تستجدي "العراضات" في مهرجان مراكش, مع الصحافة الأجنبية على أساس أنها الصحافة التي تستطيع تقديم كل العون والمساعدة للمهرجان.
ومع ذلك "هضرو فينا وآجيو علينا" فالسنة الماضية أحسست بإحساس رديء عندما علمت أن كل الضيوف المغاربة للمهرجان تم إجبارهم على توقيع ورقة يلتزمون فيها بأداء فواتير مايأكلونه وأساسا مايحتسونه في غرفهم من أكل وشراب خارج عن مصاريف الفندق التي تتكلف بها إدارة المهرجان مما يعرف ب"الإكسترا". رفضت التوقيع على هذه الورقة لأنني أقوم بالمسألة آليا في كل فندق أنزل فيه سواء كنت مدعوا أم لا, ولم أر أي داع يجعلني أقبل إهانة مثل هاته, لكن تفسيرات المسؤولة عن الاستقبال أقنعتني بعذ ذلك وهي تحكي لي العشرات من الحكايات عن صحافيين "مرموقين" وفنانين مشاهير يهربون قبل اليوم الختامي من المهرجان لئلا يؤدوا فاتورة "ويسكياتهم وقناني جعتهم" التي يزدردونها في غرفهم.
تعامل مثل هذا يدفع دفعا إلى احتقار صحافتنا المحلية, ويجعل صورتها في الحضيض أكثر وأكثر, لكن هذا الأمر تتحمل مسؤوليته الأولى والأخيرة إدارة المهرجان التي تعتمد أيا كان لتغطية فعالياته, دون أن تطلب منه على الأقل ثلما تفعل المهرجانات العالمية كتيبا يضم تغطياته السابقة للمهرجان للتأكد مما يأتي لكي يفعله في هذه التظاهرات, مثلما تتحمل مسؤولية لاتقل جسامة الجرائد التي ترسل صحافييها ولاتعرف بالتحديد لماذا أرسلتهم ولاتعرف ما الذي ذهبوا لكي يقترفونه في ذلك المهرجان.
كل هذا يعيدنا إلى نقطة الصفر في كلامنا: صحافتنا عليها أن تعطي صورة أخرى عن نفسها, صورة فيها بعض "الهيبة" وبعض الكبر لكي يتعامل معها الآخرون على أساس أنها كبيرة,وليست مجرد تابع فتات في المآدب والحفلات. ومسؤولو مهرجاناتنا _ ومرة أخرى على رأسها المهرجان الأهم مراكش_ ملزمون باحترام صحافة البلد أولا وقبل كل شيء, ثم التفكير فيما بعد في كيفية التعامل مع الصحافة الأجنبية التي يعتبرون أنهم يقيمون مهرجان مراكش كله لأجلها هي فقط, وهذا موضوع آخر قد يأتي أوان تبيانه بعد حين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق