الخميس، 21 أكتوبر 2010

موتى والله أعلم

أتابع هذه الأيام النقاش الدائر في التلفزيون الفرنسي حول عدد من الإصدارات الأدبية الجديدة وفي مقدتمها الجزء الثالث من كتاب سامويل بنشتريت "chroniques de l'asphalte" وأجدني أتساءل باتمرار: متى سيآتي اليوم الذي سيتقن فيه التلفزيون المغربي لعبة تحبيب القراءة إلى مشاهديه عبر برامج خفيفة، غير ثقيلة، ومرحة غير قاتلة، وثقافية فعلا غير مملة تتحدث عن الكتب ومع كتابها، وتفتح مجال متعة المطالعة أمام شعب يحتاجها فعلا؟
لاأجد الجواب، ولكنني أجد التفسير في غياب هذا النوع من البرامج عن تلفزيوننا لكثير المشاكل التي نحياها على مستوى تواصلنا فيما بيننا، وعلى مستوى تقبلنا أو فهمنا لكثير من الأمور الإبداعية التي قد تقع في بلدنا.
طبعا لست حالما ولا واهما، وأعرف أننا بلد يعيش بقسط أمية كبير تحافظ عليه الطبقة الستفيدة بكل ماأوتيت من قوة لأنه سبب بقائها في "بلاصتها"، لكنني في الوقت ذاته غير قادر على منع نفسي من المقارنة، وغير قادر على عدم التحسر على المآل الذي يراد لشعبنا في هذا المجال: مآل التجهيل، والدفع نحو التافه من الأمور وتصويرنا جميعا باعتبارنا أناسا نهتم فقط بما نزدرده وونهضمه ثم نرسله، أي أناسا لافارق بيننا وبين الحيوانات إلا في بعض الفاصيل القليلة التي لاتقيم فارقا حقيقيا في نهاية المطاف.
وبنفس الحماس نتابع جميعا النقاش الدائر في فرنسا بين نقاباتها وبين حكامها حول قانون رفع سن التقاعد، ونرى كيف أن الصغار من أبناء الرابعة عشرة والخامسة عشرة قد نزلوا إلىالشارع يبحثون عن معركتهم الشخصية التي سيؤثثون بها القادم من الآيام، مثلما أسس أسلافهم لمعركتهم الشخصية ذات ماي 1968 ، وأسمع للطبقة السياسية الفرنسية كلها يمينا ويسارا وهي تتحدث عن معركة الشارع الفرنسي مع رئيسه ومع حكومته، ونتابع النقاش الحيوي الدائر هناك، فننقل - لعن الله البارابول الذي فتح أعيننا هكذا - النقاش إلى البلد، ونبحث عن شخص واحد قادر على أن يقوده فلانجد إلا ضبابا كبيرا، ورغبة في تعويم كل شيء، وعدم قدرة على فتح أي ملف من أجل مناقشته.
حالة موت حقيقية، لا مثقفون يشغلون بالهم بما يهم شعبهم، فينتفضون ضد حالة الركود ويبحثون عن السبل الملائمة لمس الناس وإعادة نبض الحياة لهم، لا صحافيون يمتلكون فعلا الحاسة اللازمة للضرب حيث يوجع الألم الصحفي، والبحث عن مواضيع تنقذ الناس من حالة السب الشاملة التي اعترت الوطن، ولا طبقة سياسية قادرة أن تعطينا الإحساس أنها طبقة فعلا، وأنها سياسية ثانيا، ولا فنانون يشغلون البال هم الآخرون بالبحث عن الجديد المفيد لإبداعنا وذائقتنا وحسنا الفني، بل الأنكى والأمر لارياضيون يرفعون معك وبك "المورال" قليلا، ويرفعن راية البلد في محفل دولي أو إثنين ننسى بهم بؤس انهزامنا الكامل.
كل م في الأمر غرفة كبرى إسمها المغرب، تحيا الليل والنهار بطولهما علي إيقاع السيار اليومي المبتذل، تعيش "آوجور لوجور" مثلما يقول الفرنسيون، وشعارها "كل نهار برزقو" و"يدوز هاد النهار ومن بعد يحن الله". هله هي صورة متشائمة "بزاف"؟
لاأدري، وأعرف أنني أبعد الناس عن التشاؤم في هذا البلد، لكن المقارنة الظالمة لعنها الله تدفع العقل إلى شواطئه الأكثر تطرفا، وتحث عليه بالسؤال "علاش الخرين وحنا لا؟":
قديما قالها الكواكبي وشبع العرب منه ضحكا يوم طرح السؤال "لماذا تقدم الآخرون وتخلفنا نحن؟" قبل أن يجيب في طبائع الاستبداد أن "الاستبداد أس كل بلية" لكن الأجداد لم يسمعوا له مثلما لم يسممع له من أتوا بعدهم، فحولنا القولة إلى "المعدة أصل كل داء"، وجعلنا من الأكل الشرب وبقية العادات الحيواينية الأولى مبلغ علمنا الأخير، ماحولنا إلى هذه الكا'نات الصعب توصيفها اليوم.
ومع ذلك لامفر من قليل أمل لئلا نعتنق مذهب الموت حلا لكل هذا البوار. هناك بالتأكيد حل ما لكل هذا، هناك منفذ علينا أن نسلكه لكي نخرج من هذه الحالة التي لاتسر عدوا ولا صديقا، وعلى مايبدو لن يكون المرج إلا من بواب مابدأنا به هذا العمود: أن نعود للقراءة جميعا، أن نقلد السابقين في عصور انحطاطهم حين فهموا أن الل هو أن يترجموا وأن يزدردوا الكتب والمؤلفات، وأن يعيدوا بناء شخصيتهم الثقافية والحضارية من جديد، لأن الشخصية الثقافية والحضارية القديمة ماتت أو تكاد.
عدا ذلك ستجدنا فعلا "خير" أمة أخرجت للناس ذات تخلف، تأمر بالتطرف، وتنهى عن العلم والتقدم، وترى الشر محيطا بها من كل جانب أتتها منه أمور لاتعرفها، فالمرء عدو مايجهل، ومشكلتها هي أننا نجهل كل شيء ماجعلنا في الختام أعداء كل شيء، وهذه حالة لاتوصف حقا إلا بحالة الموت والله أعلم على كل حال. و"سمحو لينا على الديرانجمون" في كل الأحوال.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تعيش العيون مثل بوعرفة تماما حالتي غليان اجتماعي مفهومتين فالغلاء يقبض بيده من حديد على رقاب الناس، والأجور الهزيلة التي يتقاضاها المغاربة في أغلبهم غير قادرة على الاستجابة لاحتياجات هذا الزمان، سوى أن المشكل بين العيون وبوعرفة يختلف تماما.
ففي العيون لدينا انفصاليون يرغبون في تسييس هذا الغليان الاجتماعي وتصويره باعتباره أمرا له علاقة لما يقع في تندوف والحق أنه غليان يشبه غليانا. علينا نحن فقط أن لانقع في الفخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق