الأربعاء، 2 فبراير 2011

حزن لأجل الوطن

حزين لأجل الوطن. أنا الذي قيل لي يوم ولدت إنني أنتمي إلى كل هذا البراح المسمى عالما عربيا. صدقت ماقيل لي, ورغم الاختلاف, رغم التعالي, رغم نظرة الدونية التي لمحتها مرار اعتنقت الكذبة التي قيلت لي. اعتنقت المعارك كلها, صحت من أجل فلسطين. شتمت إسرائيل. غنيت للعراق. دندنت لكل ديكتاتور عبر المكان بالشعارات. رأيت في الجزائر ثورتي ولمحت في أعين المليون والنصف مليون شهيد إخوتي. عنى لي إسم فرحات حشاد الكثير في تونس منذ القدم. حفظت فيلم عمر المختار وإذلاله للإيطاليين في ليبيا. أعرف أسماء كل الرؤساء اللبنانيين, وأمسك عن ظهر قلب في ذاكرتي أسماء القادة السوريين.
فعلت بالتحديد ماقيل لي في المقررات الدراسية الكاذبة. "من مراكش للبحرين. شعب واحد مش إثنين", قلت آمين. أمة عربية واحدة, ذات رسالة خالدة. طأطأت الرأس موافقا. لاصوت يعلو على صوت المعركة. آمنت وقلت نعم رغم أنني لم أر أي معركة اللهم تلك التي كانوا يخوضونها ضدي. ثورة, ثورة حتى النصر, فرحنا وقلنا إنهم يثورون لأجلنا. كل الشعارات غنيناها, ولكننا اليوم ونحن نعيش هذا المشهد العجيب نكتتشف بكل بساطة فقط بلاهتنا, ولا شيء آخر غيرها.
حزننا عام لأن العالم كله يحيا اختلافاته بشكل عاد وطبيعي, إلانا نحن. وحدنا نقف عند ناصية شارع الزمن. نرفض التقدم لأنه ليس لنا. لانمتلك القدرة على التخلف, لأننا بلغنا مداه ولم نعد قادرين على الوصول إلى حضيض أكبر فيه.
البعض فرح لأنه يرى السقوط والدمار من حوله, لكن هل يستطيه هذا البعض أن يقول لنا "وماذا بعد؟". ذهب بنعلي, وسيذهب مبارك بكل تأكيد, لكن ماذا بعد؟
الشعب الذي يخرج جاهلا في الشارع يصرخ الموت فقط, هل هو المآل؟ هل أعددنا للمستقبل شيئا؟ بالتأكيد أننا نكتشف اليوم أننا نسينا أن هناك شيئا أصلا يسمى الزمن القادم. تركنا شعوبنا ترفل في نعيم الأمية القاتل, لاعتقاد الحاكم العربي أن الشعب الأمي لن يثور في وجهه أبدا قبل أن يكتشف أن الشعب الأمي إذا ماقام يوما لن يكتفي بمطالبته بإخلاء المكان, بل سيسرق, وسينهب, وسيهاجم المتاحف, وسيدلف إلى المتاجر, وسيثير الرعب والهلع فقط.
فرضنا على الناس أن تبقى فقيرة رغم ثروات البلدان, لكي نتمكن من تحديد الخرائط الانتخابية على المقاس اعتمادا على اشتراء أصوات الناس, وعلى التزوير إذا ماترددوا في قبلو الرشى, قبل أن نكتشف أن الجهل حين يسود ويسنده الفقر, لن يتوقف طويلا لكي ينتظر الانتخابات. سيضرب في كل مكان, وسيحاول فقط الانتقام من كل أيات الحرمان التي عاشها في مختلف الأزمان.
حزين لأجل هذه العروبة التي كنت أشك فيها دوما, وكنت أقول لنفسي أن لاعلاقة لي أنا المغربي بهذا العالم العربي المريض, العليل, السقيم, غير القادر إلا على المشي الحثيث نحو الموت, وغير ذلك لاشيء.
اليوم وبعد ماوقع في تونس, والفوضى التي دخلتها البلاد بعد رحيل ديكتاتورها, وبعد مايقع في مصر التي تنتظر زوال الفرعون في ظل غياب أي تصور لشكل المستقبل كيف سيكون, نجد أنفسنا على عتبة الرغبة فقط في مساءلة من يستطيع التوفر على جواب ما: شنو غادي يوقع دابا؟
"أصدقاؤنا" الغربيون يقولون لنا اليوم إنهم اقتنعوا أننا نستحق الديمقراطية وحقوق الإنسان بشكل نهائي. لكنهم لايقولون لنا السبب الذي جعلهم يقتنعون الآن فقط أننا نستحق هذا الترف. يغفلون عمدا اليوم عن كل التفاصيل, ويحرصون في خطبهم الكاذبة التي لاتعرف لمن ستنتصر في الختام على أن يقولوا لنا إنهم "يقدرون ويحترمون رغبات شعوبنا". نرى صورهم السابقة مع من يقولون عنهم اليوم إنهم حرمونا من الحرية لسنوات, فنكاد نرغب في صفعهم بالسؤال الآخر "ةشحال هادي فين كنتو؟"
لايهتم القطيع اليوم بالسؤال ولا بالجواب, فلاصوت يعلو على صوت المعركة مثلما كان يقول الشعار في الستينيات, ومثلما يقول اليوم في تطبيق سافر لغبائنا الذي يجعلنا نكرر التواريخ كلها, وليس التاريخ الصغير وحده. لذلك عذرا لكل الخائفين مثلي على ماسيحمله الغد من كوارث, لكننا لانرى شيئا غيرها على الإطلاق. لانستطيع أن نتبين ملمح شيء واحد جميل وسط كل مايقع, ولا نستطيع أن نقول إننا نريد لهذا الوضع المائل الحالي أن يستمر, ولا نستطيع في الوقت ذاته أن نطمئن لتصريحات الأصدقاء الموزعين كذبا هنا وهناك.
لانأتمن الحاليين على مصائرنا, ولا نأمن للقادمين ممن يهيئون لنا الأرض للممات, ولا نمتلك بين الضفتين أي دليل على أن خيارا ثالثا قد يعرض نفسه علينا في يوم من الأيام. لذلك يسود الحزن في كل مكان صادق اليوم في العالم العربي, بغض النظر عن كل التطورات. فقد كنا نأمل مسارا آخر لأمتنا, ومصيرا آخر لهؤلاء الصغار الذين يملؤون الساحات عوض أن يملؤوا الجامعات.
تجار الشعارات ومحترفو الثورات عن بعد سيغنون هذه الأيام, ومغيرو كتف البندقية من محترفي "القليب" المباشر ومطبقي شعار "الله ينصر من أصبح" سيعثرون على الكثير من الكلام الذي يصلح لأن يقال في هذه الأثناء. لكنني ومعي العدد العديد من بسطاء هذا الوطن الكبير والجريح ممن لايملكون القدرة على كل هذا التحليل السياسي العميق لانستطيع الآن إلا الحزن العميق.
غير هذه الغصة التي تعتصر في الدواخل, لاشيء نراه في هذه الآفاق.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عندما تقرأ عناوين عن تتويج الرداءة والتطبيع والابتذال في مهرجان طنجة الأخير, وتبحث في أفلام جميلة جدا توجت على رأسها الفيلم الذي فاز بالجائزة الكبرى "أشلاء" لحكيم بلعباسو تقول لنفسك إن الخلل بالتأكيد موجود في جهة من إثنتين: هو موجود إما لدى من يتعاملون بجدية مع من يكتبون مثل هذا الكلام, ويعتبر أن لديهم شرعية سينمائية وفنية حقا لقوله, أو أن الخلل موجود في هذا الفكر المرضي المصر على الخلط بين الأشياء, وعلى تصفية الحسابات الصغيرة بطريقة تبعث على الرثاء واالشفقة فعلا.
حقيقة, آن لنا أن نطرح السؤال: مامعنى كل هذه الحرب التي تشنها الرداءة في المغرب ضد فن الجمال والحياة المسمى سينما؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق