الاثنين، 31 يناير 2011

رجعو التلامذة

"رجعو التلامذة ياعم حمزة للجد ثاني, يامصر ونتي اللي باقية ونتي قطف الأماني," لو قدر لي أن أتمنى بقاء شخص على قيد الحياة لكي يشاهد المصريين ومايفعلونه يوم الجمعة الفارط لتمنيت أن يكون الشيخ إمام معنا على هذه البسيطة, وأن يستعيد نظره وأن يحدق مليا في أبناء وأحفاد من غنى لهم الثورة ذات زمن, وهم لايكتفون بالغناء, بل يمرون إلى الثورة مباشرة. رأيت في الوجوه الكالحة التي تصرخ الشيء الكثير من العلامات على أن الغغضب لايموت في هذه الأمة, وعلى أن الروح لن تزول عنها أبدا
لم أفهم في يوم من الأيام, وكتبنا هذا الكلام قبل هذه اللحظة وحوكمنا من أجله في بلدنا لئلا يقول لنا أحد إننا نقوله الآن فقط بعد أن تحركت الأشياء, كيف يمكن لرجل, إنسان, آدمي من المنتمين مثلنا لجنس الخطائين أن يقود بلدا وشعبا على امتداد عشرات السنوات, أن لايتعب, وأن لايكل ولا يمل, وأن يرغب بعد أن يتأكد بأن الجسد لم يعد يسعفه في أن يترك الجمل بما حمل لإبنه أو لشخص من سلالته, وكل هذا تحت مسميات عديدة فيها التمديد, وفيها التجديد, وفيها التوريث, وفيها الأمارات الأخرى على الخرف الذي أصاب عقل هؤلاء الناس.
لحسن الحظ أن هناك أجيالا أخرى أتت بعد الجيل القديم, فهمت أن السبيل الوحيد لتجنب مشهد بن علي وهو يخطب في التونسيين بعد ثلاثة وعشرين عاما من الحكم "لقد فهمتكم, لقد فهمتكم", هو أن تنزل إلى الشارع, أن تضحي بالعشرات منها, وأن يسيل دمهم,وفي الختام سيفهم الحاكم أنه لم يعد قادرا على ضبط أي شيء في بلده, وسيفكر فقط في النفاذ بجلده قبل أن تتطور الأشياء إلى مالاتحمد عقباه.
لن يقنعني أحد أن الشعوب العربية تريد قتل رؤسائها, لكن بالمقابل لن يقنعني أحد أن قدر الشعوب العربية هو أن تظل رهينة شخص واحد. عندما يصحو رائقا, تعيش شعوبنا في السعادة, وعندما يتكدر مزاج سيادته علينا تحمل كل المسؤوليات. العصر لم يعد العصر, والزمن لم يعد الزمن, ومع محاولات السرقة التي ألفها المتطرفون, والفها سراق الثورة من المتنفعين سابقا, والذين حاولوا إقناع الكل أنهم هم من قادوا ثورة الياسمين في تونس, وهم من قادوا ثورة الفل في مصر, فإننا نعرف جيدا أن الشعوب وحدها تحركت.
هي فعلا أحست أن القوى العالمية التي ظلت تسند هذه الأنظمة وتقف إلى جانبها قد تعبت من الوقوف إلى جانب الضلال, لكن في النهاية لاأحد يستطيع أن يقول لنا إن مايقع يحدث دون شعوبنا, ودون أن تريد هذه الشعوب. وفي مصر بالتحديد التي تعيش تحركها هذه الأيام, يبدو أن الأشياء لن تشبه المشهد التونسي في التفاصيل, لأن مبارك رفض الرحيل واعتبر الحكومة وحدها المعنية بالمظاهرات, لكن النتيجة واحدة. إذ يبدو أن مشهدا عربيا قد طوي بالفعل, وأن مشاهد أخرى تأتي إلينا, ونحن نستحقها في نهاية المطاف.
شعوبنا التي درس شبابها, وتعلم في الجامعات, والذي فتح العين على ضنك الآباء وهم يحاولون رتق اليومي باليومي لكي يكتمل الشهر, لم تعد قادرة على صبر أكثر, ولم تعد تفهم لماذا سيعيش جزء صغير منا في الراحة الكاملة, ولماذا ستتعب بقية الأجزاء. لاشيء يبررها إطلاقا, مثلما لاشيء يبرر أن تظل الحرية حكرا على كل دول العالم الأخرى وأن تأتي حتى منطقتنا وترفض حمل جنسيتها. شيء ما ليس على مايرام في هذه المعادلة, وهو الشيء الذي أتى الزمن لوضع الحد له لكي نبدأ من جديد.
كيف سنبدأ من هذا الجديد؟ علينا أولا أن نضع ثقتنا كلها في الشعوب. هذه الجماهير التي تخرج اليوم للشوارع لكي تصرخ كل غضبها وكل الأنين ليست راغبة في ملء الشوارع هدرا, وليست مقتنعة بأن مكانها هو الشارع أصلا. هي تريد الآن أن تقضي عطل نهاية أسبوعها مثلما يفعل الخلق في كل الدول الأخرى, عوض أن تمضيها تتعرض للرصاص بكل أنواعه من المطاطي حتى الحي, لكنها تريد قبل ذلك التوفر على إمكانية لفعل ذلك, وهذه الإمكانية مع أغلبية أنظمتنا العربية غير متوفرة حتى الآن وهذا مايخلق لنا كل هذا الإشكال.
ولعله سيكون من المفيد فعلا في هذه اللحظة العربية الراهنة أن يراجع كل طرف حسابه من البدء. أن تفهم الشعوب بأن قدرها بين يدها وأن اللحظة العالمية تريد ذلك, لكن دون فوضى ودون سقوط في يد الظلام الذي يتصيد كل الفرص السانحة الآن. وأن يفهم الحكام بأن الزمن الذي كان الشعب يتلقى الضربات ويصمت في الختام هو زمن ولى إلى غير رجعة وأن صدى الظلم أصبح يتردد في كل مكانز
ومع الأمل بأن لانضيع الفرص تلو الفرص نحن الذين نعتبر أساتذة في مجال التضييع ببشاعة هذا, نضع اليد على القلوب في كل مكان تحسبا للقادم, استثرافا للمجهول, تخوفا من العناد, الذي قد يحمل لنا في النهاية الموت لكل الأطراف.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الدور الذي تلعبه قناة "الجزيرة" في كل مايقع الآن في مصر بعد أن انتهت من "مهمتها" التونسية, هو دور يستحق الكثير من التأمل. نحن هنا أمام قناة لم تعد تبث الأخبار التي تقع, ولكنها أضحت تسير المظاهرات, وتحدد أماكن انطلاقها وساعات الانطلاق, وتحرص من خلال أخبار معينة ومختارة بدقة على أن تصب المزيد من الزيت على النار, إلى أن تنضج الطبخة بالكامل.
لصالح من؟ ومن صاحب القرار وراء هذا اللعب؟ وإلى متى سيستمر الدور الملتبس لهذه القناة؟ أسئلة كثيرة ستتضح أجبوتها بسهولة بعد أن تنفرج غيوم كل هذا الذي يجري الآن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق