الجمعة، 25 فبراير 2011

عودة الجزيرة إلى المغرب

تركنا عباس حائرين في 20 فبراير ومايليها وذهب إلى قطر لكي يعرب لأميرها عن كامل تقديره للتقدم الكبير الذي تعرفه قطر من كل النواحي. لا شأن لي بزيارات عباس, مثلما لاشأن لي بكل مايقوم به, فلم أصوت عليه ولا على حزبه لكي أسائله اليوم عما فعله من أجلي, مثلما لم أصوت على أي حزب آخر. لذلك يبدو لي عباس شخصا غريبا لو كانت لي إمكانية ما لما اخترته لكي يتكلف بأصغر ديوان وزاري, لكن أشياء أخرى أكبر مني بكثير جعلت من عباس وزير المملكة المغربية الأول منذ الانتخابات الفارطة, وهذا الأمر يدخل في "مكتاب الله" الذي لايرتفع, أو هذا على الأقل ماأقنع به نفسي لئلا أشغلها كثيرا بما يفوقها بشكل كبير.
لاشأن لي إذن بعباس, لكنني أتساءل فقط على سبيل التساؤل إن لم يكن من الأفضل له كوزير أول للبلد أن يكون معنا الآن, أن يحاور شباب العشرين من فبراير, أن يتباحث مع وزرائه عن طريقة ما لحل الإشكال, وأن يطرح على نفسه عشرات الأسئلة وفي مقدمتها السؤال الكبير : لماذا يعتبرني الناس الوجه الأبرز للأزمة التي يحيونها اليوم في المغرب؟
بالنسبة لبعض حواريي قطر في المملكة, عباس ذهب طالبا "التسليم" من الإمارة التي تمتلك وسيلة الإعلام الأقوى اليوم في العالم العربي, القناة التي تسقط الرؤساء, والتي تحدد عبر شبكتها البرامجية كل أسبوع إسم الزعيم العربي الذي يتوجب عليه أن يجمع "باكطاجه", وأن يتوكل على الله. لاأصدق هذا الكلام, ولا أتمنى أن يكون حقيقيا, فلو صدق, فهذا سيعني شيئا واحدا فقط هو أننا نحيا في بلد يخاف من قناة تلفزيونية, وقد أسست كل ماكتبته حتى الآن على مسلمة أعتنقها شديد الاعتناق مفادها أن المغرب لا يمكن أن يخاف قناة تلفزيونية مهما بلغ شأوها أو عظم.
لذلك وتجنبا لأي سوء تأويل كيفما كان نوعه أتمنى أن يظهر بلدنا أنه لايخشى هذا البعبع الجديد الذي أخرجته لنا قطر من حيث ندري ولا ندري, وأن يسارع لإظهار عدم خوفه هذا بشكل واضح لايقبل أي نقاش. كيف ذلك؟ إعادة فتح مكتب الجزيرة في الرباط.
أعرف أن في الدعوة لهذا الأمر تناقضا كبيرا مع ماسبق أن كتبته باستمرار عن دور هذه القناة وعن تكالبها على المغرب, وعن اشتغالها وفق أجندة معادية للوطن, واضحة المرامي, منزاحة _ بسبب انتماء أغلب صحافييها والمتحكمين فيها إلى الجزائر_ إلى أطروحة أعدائنا الترابية, راغبة في تمريغ أنف المغرب في التراب في المليئة والفارغة. لكنني ومع كل ماكتبته سابقا, أعتبر أنه من اللائق اليوم أن نفتح المجال لهذه القناة ولحوارييها لكي يفعلوا مايشاؤونه في المغرب لكي نرى إن كنا نحيا في بلد محصن ضد كل شيء, أم أننا نحيا في بلد في مهب الريح.
إلزامية إعادة فتح مكتب الجزيرة في الرباط تأتي أيضا استجابة لدعوات ارتفعت هنا وهناك في يوم 20 فبراير من طرف الكثيرين تقول إنه من اللازم للمغرب أن يقوم بهذا الأمر, وهي أيضا تأتي بعد مرور فترة من الزمن كافية لكي نفهم أن المغرب اكتفى بقرار الإغلاق ولم يقم بأي خطوة توازيه لملء الفراغ الذي خلفه إقفال المكتب الرباطي للقناة القطرية. بالعكس, وعوض أن يتم احتواء من كانوا يتوالون على المكتب إياه لكي يتحدثوا في مختلف برامج التلفزيون المغربي, وجدنا أن إخوتنا من مسؤولي إعلامنا العمومي قد أقفلوا على أنفسهم الأبواب واكتفوا بالتغني بالقرار السلطوي بإقفال باب قناة الجزيرة في الرباط, وهذه مسألة لم نتفق معهم عليها نهائيا.
العكس هو الذي قيل لنا أثناء الحديث عن التبرم من مكتب القناة, فقد تم إقناع المتتبعين أن المغرب يريد التأسيس لتلفزيون حقيقي يراعي التعددية السياسية الكبيرة الموجودة فيه, يفتح الباب لكل المؤيدين والمعارضين لكي يلتقوا فيه ويتحادثوا عبره حول كل مايخص بلدهم. قيل أيضا إن المغرب _ عبر قيادته الإعلامية التي أفترض أنها موجودة رغم أن كل الظواهر تقول العكس _ بأنه من الأفضل له أن يتبنى سياسة الانفتاح الإعلامية على كل مكوناته بما فيها تلك الأكثر شراسة في التعبير عن معارضتها, وذلك تفاديا لهروب هؤلاء باستمرار إلى القنوات الأجنبية, لكن شيئا من كل هذا لم يحصل, بل العكس تماما هو الذي وقع.
مولاي مصطفى أصبح أكثر اكتفاءا ببرنامجه وذاته, المطبلون للرسميين أصبحوا مكتفين بسب قناة الجزيرة التي أغلقنا مكتبها في عاصمتنا وكفى, وتلفزيوننا أصبح غير قادر على تقديم برامج أخرى غير برامج التأييد الكامل التي لايسمع فيها إلا صوت المونولوغ, وهو للأسف الشديد أسوء صوت يمكنك أن تسمعه في أيام الاختلاف الكبيرة هاته.
لذلك كله, وغيره كثير, أرى اليوم أنه من الأفضل للمغرب أن يفتح لهذه القناة ولغيرها من القنوات المجال للعمل مثلما كانت وأكثر, ذلك أنه سيكون مشرفا لبلدنا أكثر أن نعطي لهؤلاء منة السماح لهم بالاشتغال معنا وبيننا على أن ننتظر وقتا آخر يستبيحون فيه مجالنا السمعي البصري دون أن نستطيع أن نقول لهم أي شيء.
أكره هذه القناة وشعبويتها ولا مهنيتها, لكن أكره أكثر الإحساس الداخلي الذي يقول لي إن بلدي بجلالة قدره يعيش خائفا من قناة تلفزيونية. "هادا ماكان".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات الخطيرة التي تهز بلدنا هذه الأيام, والتي تجعل الناس تردد باستمرار قصصا وهمية عن مواجهات هنا ومظاهرات دموية هناك, هي أسوء مايمكن أن يقع لنا في هذه المرحلة. فالخوف وتهييء الجموع لتقبل أي شيء يمكن أن يحدث لها هي تقنية معروفة منذ القديم من أجل التحكم في هذه الجموع, لكن على من يسهرون اليوم على إطلاق هذه الإشاعات بهذا الشكل "الممنهج والمنظم" في بلدنا أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا التحكم في مسارها إذا ما أخذت أبعادا أخرى أخطر بكثير من مجرد تكرار كلام يقال هنا أو هناك. لنحذر فعلا هذه العدوى القاتلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق