الجمعة، 4 فبراير 2011

البكارة الإعلامية

قتل عمار الشريعي يوم الإثنين المشاهدين وهو يتحدث عبر قناة "دريم" عما يقع في مصر اليوم, ثم وهو يرسل الرسائل العديدة إلى كل الجهات التي تدخلت لكي توصل بر المحروسة إلى المأزق الذي تحيا فيه اليوم. وقد نشرنا أمس ورقة عن تدخل الموسيقار الكبير الذي أبكى مقدمة البرنامج منى الشادلي, وأبكى المشاهدين, بل وبكى هو نفسه أثناء حديثه الصادق خصوصا حين وصل إلى الحديث عن إضاعة جيل كامل لعمره "أونطة" مما تحدثنا فيه أمس ولا داعي للعودة له.
مايهمنا في ورقة اليوم هو ماذكره عمار عن تعامل التلفزيون العمومي المصري مع الأحداث, حيث أشار ساخرا إلى أن تلفزيون النظام كان يوم الجمعة الفارط أثناء اندلاع أحداث جمعة الغضب يبث صورا لوصول وزير الخارجية المصري أبو الغيط إلى أديس أبيبا, قبل أن يمر إلى تقديم فيلم كوميدي في الوقت الذي كان الشباب المصري يقدم أفضل فيلم يكن تصوره للرد على كل ماوقع لبلده خلال السنوات السالفة.
عمار كان يتحدث عن التلفزيون الرسمي المصري, لكن كثيرا من العرب, سيتذكرون تلفزيونات بلدانهم, وسيقولون "ماأشبه الشيء بالشيء". ولا أعرف حقيقة من هم هؤلاء العلماء الذين يسيرون إعلام دولنا العربية بهذه الطريقة التي لاتدفع إلا إلى احتقان الناس وغيظهم عوض أن تدفعهم للتفاعل مع ماتقدمه هذه التلفزيونات. بل أكثر من هذا تنفع مثل هذه التصرفات المتخلفة في دفع شعوبنا دفعا إلى القنوات التي نعتبرها معادية أو ذات أجندات خاصة جدا.
ولكم كان الفنان الكبير عمار الشريعي موفقا وهو يقول "أنا أكره قناة الجزيرة, وأعرف الفكر الذي يقف وراءها, ولا أحبها على الإطلاق بل أكرهها, لكن عندما أردت التعرف على أخبار بلدي ومايقع في بلدي ذهبت إلى قناة الجزيرة", قبل أن يطرح السؤال "لماذا لايقدم تلفزيوننا أخبار بلدنا بصدق ودون أجندة خاصة عوض دفع الناس إلى اعتناق هذه القنوات التي تلعب به وبفكره وعقله؟". طبعا لم يجب عمار عن السؤال لأننا جميعا من الخليج إلى المحيط لانعرف له جوابا, ولا نفهم لحد الآن _ خصوصا نحن الذين لانتوقف عن فضح قناة "الجزيرة" ونعتبر أنفسنا غير معنيين ببث دعوتها بين صفوف بني جلدتنا مثلما يفعل آخرون يتقاضون ثمن فعلتهم _ لماذا سيكون قدرا لي أنا المغربي مثلا أن أشاهد نشرة الأخبار تلك التي تقدم لي في الثامنة والنصف مساء دون أي ذنب جنيته اللهم أني مغربي.
نعتبر أننا نستحق أفضل من هذا المستوى, ونعتبر أن من أوجه الاستفادة الفعلية من كل مايقع في العالم العربي اليوم هو أن نفهم أن أول أوجه التغيير هي أن تهب رياح الحرية الحقيقية على الإعلام, أن لايضطر أي مواطن في أي بلد عربي إلى اللجوء الإعلامي يوميا إلى قنوات تطلقها دول رجعية بمباركة أمريكية إسرائيلية من أجل إعادة توزيع الرقعة وبيادق الرقعة في الوطن العربي الجريح.
وعندما نقول الإعلام نقصد أساسا التلفزيون لأنه وسيلة الاتصال الجماهيرية الأكبر التي تصل إلى القدر الوفير من الناس, والذين لايحتفظون للأسف الشديد بعلاقة طيبة مع القراءة, ويعتبرونها "رجسا من عمل الشيطان", لذلك يتجنبونها. هذا التلفزيون العربي المريض الذي يعتقد أنه يحسن للحاكم حين يمضي اليوم بطوله في مدحه بشكل ركيك للغاية, وبطريقة إنشائية مقيتة, تنفر الناس من كل شيء, عليه أن يفهم أنه من الأفضل له أن يعيد النظر في طريقته هاته عن طيب خاطر, عوض أن يجد نفسه مثل قنوات تونس التي كانت تسبح بحمد بن علي ليل نهار, والتي اضطرت بعد 14 فبراير إلى أن تصنع لها بكارة إعلامية جديدة, تقنع بها العريس الذي هو الشعب التونسي أنها "بنت بنوت" لم يلمسها بشر من قبل أو من بعد.
للأسف الأمر كان أكبر من أن يصدق, والتونسيون كانوا يشاهدون بسخرية هذاالانقلاب المفاجئ, وهذه الرغبة الكاذبة ممن مارسوا العهارة الإعلامية لثلاث وعشرين سنة, وهم يحاولو إقناع جمهورهم الجديد أن "دعارتهم" كانت قسرية أو أنها لم تكن دعارة كاملة بالمعنى المتفق عليه بين عموم الناس.
هل نحتاج للقول إن الأمر غير قابل للتصديق لأن الناس تعرف جيدا الفرق بين الكلام الذي كان يقال سابقا وبين الكلام الذي يحاول اليوم أن يجد له موطئ قدم بين الناس, مثلما تعرف أن من كان يمدح نفاقا والذي يهاجم اليوم خوفا, سيعود في الغد القريب أو البعيد لكي يغير جلدته من جديد. وهذا النوع من البشر بالتحديد لا يمكن ائتمانهم على شيء, وبالأساس لا يمكن الاطمئنان على حال الوطن معهم أو بهم.
حاجتنا كبرى اليوم إلى الثقة في شعبنا, وإلى معاملته بالنضج الكامل الذي يستحقه. وأولى علامات هذا النضج أن يتسع البراح الإعلامي لأصواتنا جميعا. أن ننصت فيه لكل رأي محلي, وأن نراه محل التقاء الآراء ببعضها حتى تلك التي لانتفق معها, بل وبالأساس تلك التي لانتفق معها, وأن نمنح العالم العربي المترقب درسا ينتظره من هذا البلد العظيم.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
سؤال هام للغاية: إذا تواصل سقوط الأنظمة العربية بهذا الشكل وواصلت الجزيرة بثها التهييجي بالشكل ذاته إلى حد انتهاء كل الأنظمة وبقاء نظام قطر وحده قائما, هل ستتعامل الجزيرة مع الأحداث هناك بنفس الطريقة التي تتعامل بها مع الأنظمة الفقيرة؟ أم أن حمار الشيخ حمد سيصل حتى ديرته وسيتوقف؟
يحق لنا طرح السؤال بعد أن اكتشفنا وجود وظيفة أخرى للعمل التلفزيوني قوامها التهييج لإسقاط الأنظمة "المعادية" لظام "مول التلفزيون", وبعد أن أصبحت القناة تهدد بلداننا واحدا بعد الآخر بالمصير ذاته. حقيقة يحق لنا أن نطرح هذا السؤال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق