الأحد، 6 فبراير 2011

كيف تودع شعبك

درس واحد من بين الدروس الهامة التي يتلقاها الحاكم العربي قبل أن يصعد إلى السلطة, تنسى الجهات المكلفة بذلك أن تلقنه لبعض حكامنا, هو درس: كيف تودع شعبك في خمسة أيام دون معلم, وأساسا دون أن تضطر لقتل هذا الشعب المسكين, إما بالرصاص الحي, أو المطاطي أو في حالة أخرى أكثر استعصاء مثل الحالة المصرية, إلى قتله بالفقصة, وهو يراك متمسكا بأهذاب الكرسي مهما وقع.
وفي النظر الشعبي السديد اليوم, لابد لأمريكا, التي يبدو أنها هي التي تمنح قبعات التخرج الشهيرة للرؤساء العرب قبل أن تضعهم على الرقاب, أن تشرع من الآن فصاعدا في صنع مقررات دراسية جديدة للحكام تضمنها أولا وقبل كل شيء هذا الدرس المهم والأساسي, درس الوداع الأخير.
من الممكن اقتراح بعض الجذاذات مثلما يقول آخوتنا رجال التعليم وهم يهيئون دروسهم لتلاميذهم, بخصوص هذا الرس الجديد, وقد يكون شكلها على الآتي: النقطة الأولى في الدرس: التوقيت. على الحاكم العربي أن يحس بالزمن الذي يتعب فيه منه شعبه بالتحديد. فبسبب غياب أي شكل من أشكال انتخاب رؤسائنا في المنطقة, وبالتالي غياب ولايات محددة لبقاء هؤلاء على الصدور, كأن يتولى لخمس أو لأربع سنوات محددة قد تجدد مرة واحدة وكفى, يرجى من الحاكم العربي أن لايعتمد على حدسه نهائيا. فهذا الأخير سيقول له باستمرار إن الشعب يحبه ولايريد له الرحيل. كما يرجى من الحاكم أن لايعتمد على المحيطين بهو فهؤلاء ولأنهم المستفيدون الأوائل من بقائه سيقولون له دائما إن الشعب لن يمل من سيادته.
الأساسي في النقطة الأولى من هذا الدرس أن يصيخ الحاكم العربي السمع جيدا للشارع, وحين يسمع كلمة "إرحل" عليه أن يفهم أنها تعني الرحيل وليس أي شيء آخر. على الحاكم أيضا أن يحترس جيدا حين يسمع بعض المقربين منه يقولون له إنه من الضروري إدخال بعض الإصلاحات, وعليه أن يفهم على الفور أنهم لايريدون أن يقولوا له مباشرة إن الشعب سيزحف قريبا على قصر الرئاسة, وأن عليه أن يرسل "مدام والوليدات" إلى الخارج الآن ودون أي إبطاء.
النقطة الثانية في الدرس هي المكان. على الحاكم العربي, خصوصا في مثل هذه الأيام العصيبة التي تعبر منها أمتنا البلهاء, أن يحدد مكان إقامته جيدا, هو الذي تعود تحديد أماكن إقامة الناس الآخرين لكن في الاتجاه الآخر. تحديد الحاكم لمكان إقامته أساسي للغاية في السويعات العصيبة, فهو لاينبغي أن يبقطن في وسط البلد لأنه لن يجد طريقة للهروب السريع من هناك, ولا ينبغي أن يظل في قصره لأن المتوقع الأول هو أن الشعب الغاضب سيزحف على القصر الرئاسي أولا, وعليه ثانيا أن يضع الكثير من الكيروزين في طائرته الخاصة ثالثا, لأنه "الوقت والزمان هادا", وهو لايعرف متى ستعطيه مصالح مطار الرياض أو جدة إذن السماح بالنزول, وشعوبا العربية, رغم أنها لم تر من أغلب رؤسائها إلا كل شر, لاتريد لهم لحظة "الشليت" أن يموتوا في طائرة خلت من الوقود, وأن ينزلزا من عل مشتتين إلى الأرض. شعوبنا لديها رحمة على كل حال, وهي لاتتمنى موتا مشوها لأي كان مهما كان الذي فعله بها هذا الأي كان.
الدرس الثالث من دروس "كيف تودع شعبك", هو درس الطريقة. بن علي اختار الهروب بعد أن قال "فهمتكم", قبله اختار تشاوشيسكو درس العناد والمكابرة قبل أن ينتهي هو وزوجته عند جدار برأسين مثقوبين بالرصاص, الملك فارق في مصر اختار يوما أن يغادر وشنبه مرفوع إلى أعلى والجيش يضرب له الأحد والعشرين طلقة تشريفية "ديال غير سير بحالك", مبارك اليوم اختار التوديع بطريقة الخيول والجمال الرائعة, وهذا يعني أن هناك طرقا عديدة للفرار, مايفرض التوصل إلى طريقة موحدة تعفي الشعوب من متابعة أفلام سخيفة للغاية ينتهي أغلبها في الدماء .
أفضل من هذا التخبط, يمكن إقناع الحاكم العربي باختيار طريقة أبسط للغاية وأحفظ لكرامته هي أن يقبل على نفسه الكريمة إجراء انتخابات في بلده. والانتخابات ليس شيئا خطيرا للغاية, وليست كارثة إنسانية وليست أي شيء من هذا القبيل على الإطلاق. الانتخابات _ ونحن نورد هذا التعريف البسيط لها للحاكم العربي لأنه لايعرفها ولم يسبق له أن سمع بها _ هي صناديق زجاجية عديدة توضع في كل المدن التي تخضع لسلطة سيادته, ويقوم الرعاع التابعون لحكم فخامته بوضع أوراق صغيرة فيها تتضمن إسم "مسخوط الوالدين" الذين يريدون له أن يسوسهم للخمس سنين أو الأربع سنين المقبلة, وحين تنتهي هذه الأخيرة تتكرر هذه اللعبة "ونتا غادي".
"بالذمة" مثلما يقول المصريون, أليس الأمر أفضل من مشهد الجمال والخيول وهي تضحك العالم علينا وعلى عروبتنا البئيسة وعلى كل مانشترك فيه مع هذا العالم العربي المجنون حقا لا بالقول فقط؟
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
معلومات خطيرة كشف عنها تحقيق لقناة "تي إف 1" الفرنسية بخصوص سير الأمور داخل ميدان التحرير بالعاصمة المصرية القاهرة. ميليشيات الإخوان هي التي تتحكم في كل شيء, حتى المستشفى المقام هناك, والذي تظهره لنا "الجزيرة" باعتباره عملا شعبيا هو مستشفى يديره الإخوان, الذين وصلت بهم الوقاحة حد فرض ارتداء الحجاب على طبيبة علمانية أتت لكي تساعد من اعتقدتهم شباب الثورة, قبل أن تجد نفسها أمام تنظيم سياسي يستغل اندفاع وحماس الصغار لكي يصل إلى هدف ظل يحلم به منذ أنشأه حسن البنا .
للأسف "الجزيرة" وعرباننا لايهتمون بهذه التفاصيل الصغيرة التي يختفي فيها الشيطان. لتحيا الثورة إذن, فهذا ماتريد سماعه الجموع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق