الثلاثاء، 15 فبراير 2011

ثمانية عشر يوما

ثمانية عشر يوما أصبحت كافية في العالم العربي لكي يسقط الديكتاتور. ثمانية عشر يوما من ميدان التحرير, بحجارتها, ببلطجيتها, بثورتها, بفيسبوكها, بتويترها, بأغاني الثوار الجدد وحكاياهم, بإخوانها الراغبين في سرقة ثورة الصغار, بالخائفين على مصالحهم ممن يعرفون أن الريح إذا ما زأرت في الوطن ستعصف بكل ماراكموه من ثروات, بفقرائها الذين لمحوا في المكان القصي من الفؤاد الحلم فقرروا القبض عليه ولو بالموت حبا فيه يوم الختام, بنسائها الذاهبات ليلا إلى المنازل تحت حماية اللجان الشعبية لكي يهيئن للرجال زاد وعتاد اليوم الموالي, بأطفالها الذين اعتلوا هامات الآباء والأمهات وشهدوا يوم التغيير الكبير.
ثمانية عشر يوما فقط لاغير, بشعاراتها الموزونة بعناية المصري بالقافية واللحن, بنكتها الموغلة في الحزن التي تقص على الشعوب حكايات الطغاة الراغبين في توريث الناس للأبناء, بفولها المدمس في الشقاء, وبطعمية تحولت في لحظات على يد الإعلام العمومي إلى وجبات كنتاكي يحملها الأجانب إلى المعتصمين لكي يواصلوا اعتصامهم مثلما قيل كذبا ذات زمان.
ثمانية عشر يوما فقط, ثم يسقط مبارك ولا تسقط أم الدنيا, ذات الخمار المستلقي بكل الدلال على النيل ذي الأضواء. ثمانية عشر يوما بجزيرتها التي وجدت فيما يقع لشعب مصر العظيم الفرصة الملائمة لانتقام القزم من العملاق, بمحلليها ومحرميها الذين لايعرفون عم يتحدثون, لكنهم يتحدثون لئلا يقال إنهم صمتوا يوم كان ضروريا قول كل الكلام, بصعاليك الزمن الذين يقومون بالثورات على الورق, والذين يعتقدون أن الشعوب تنوب عنهم عبر التلفزيون لكي لاينزلوا هم يوما إلى الساحات.
ثمانية عشر يوما فقط, بالاستيهامات الكبرى التي اجتاحت العديدين وجعلتهم لايعرفون إلى أي وجهة عليهم أن يرسلوا الحوالات المالية التي تعودوا إرسالها إلى كل مكان, بحراميتها الذين تتشابه أشكالهم في كل الأوطان, بسيساسييها الذين لايملكون إلا كذب الكلمات, وبقية الارتباط بمن كان يمنحهم العون على الحياة, بمقربيها من السلطة الذين شعروا باليتم فجأة واكتشفوا أنهم ذات يوم خرجوا من الشعب, وأنهم إليه لن يعودوا, لأنهم أضاعوه في الطريق, وقرروا فجأة أن لاحاجة لهم به لأن من يحميهم يمنحهم كل الأمان.
ثمانية عشر يوما فقط, ببن علي الذي كان درسا أولا لم ينتبه إليه فرعون الكنانة الجديد, بوائل غنيم, هذا الفتى الذي لايستطيع مقاومة الدموع على الشهداء, لكن يستطيع مقاومة تعذيب النظام, بإسراء عبد الفتاح التي ذكرتنا أن مصر كانت دائما ولادة, بنوارة نجم التي ورثت من الفاجومي الإسم وجينات التمرد على كل الطغاة, بخالد سعيد الذي سقط لكي تنهض مصر, بقافلة من قتلوا لكي يبقى مبارك, وفي الختام بقيت مصر وانقرضت كل الأشياء.
ثمانية عشر يوما فقط, عشناها كأنها الدهر في كل الدول العربية الأخرى المصطفة على أريكة الخوف من المجهول, المترقبة لهؤلاء الصغار الذين حرمتهم من كل شيء, ولم تترك لهم إلا مصروف الجيب الذي يسمح لهم بالبقاء أسرى وراء الحاسوب, قبل أن يكتشفوا أنه من الممكن لهم أن يتحدثوا ويتواصلوا عبر هذه الأجهزة التي قيل لهم في البدء إنها تصلح للشات لالشيء آخر على الإطلاق. ثمانية عشر يوما تصلح درسا لكل الخائفين من الآتي, لكل الطامعين في البقاء على رقاب العباد, لكل الذين لايرون شيئا غير مصالحهم, لكل من يعتبر أنه من الممكن أن ترث شعبا بأكمله, لكل من يعتقد أنه يستطيع أن يتحول إلى إله صغير يعيش على الأرض, لكل من لايعني له البشر شيئا غير أنهم "بزاف وصافي", لكل من يستطيع أن يتلقى الدروس.
ثمانية عشر يوما فقط لاغير. هل هو قدر مصر أن تسري إلى التاريخ بعدد الأيام, بحسابها؟ أن تنتكس في حرب الستة أيام, أن تنتصر في استنزاف الشهور الطويلة, أن تموت على أيدي الديكتاتور ثلاثين سنة, قبل أن تقرر الانصراف. يغني لها الكينج, الملك منير " إزاي ترضيلي حبيبتي قد ماعشق فى إسمك وانتى عماله تزيدي في حيرتى وما انتيش حاسه بطيبتى إزاي ! مش لاقي في حبك دافع ولا صدقى في عشقك شافع إزاي أنا رافع راسك وانتي بتحني في راسي إزاي! ". ويقول لها نجم قبل الزمن بزمن طويل "صباح الخير على الورد اللي فتح في جناين مصر", وتقول لها شادية متغزلة مترنمة "ياحبيبتي يامصر", فترد عليهم الجموع التي صنعت لحنها الخاص بها في ميدان التحرير "مش هنمشي, هو يمشي".
يمشي الديكتاتور. ينصاع لرغبة الناس, يبدو عليه الهزال واضحا, وهو يرغب في كتابة نص الوداع. تبدو الكاميرا التي كانت تعبده في السابق, غير راغبة في الإنصات إليه. يتحدث عن تاريخه الشخصي في البلد, وينسى التاريخ العام, يقول للشعب إنه "عاتب عليه" لأنه أراد أن يغيره بعد ثلاثين سنة "خدمة فثانوي" كما كان سيقول عادل إمام. يضحك منه الشعب, يقول له "إجمع متاعك, وارحل. تكبد فقط عناء الرحيل, لانريد منك شيئا آخر".
ثمانية عشر يوما فقط بمصرها. تلك هي الحكاية بكل اختصار.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التجربة التي يشرع في خوضها اليوم مجموعة من الأصدقاء بقيادة الزميل أحمد نجيم لموقع "كود. ما" هي تجربة جديرة بكل انتباه (أنظر الخبر في الصفحة) لأنها تنتصر أصلا لقيم قد لايقع الإجماع حولها في مجتمع مثل مجتمعنا, لكنها القيم الوحيدة القادرة على إخراجنا من المأزق الذي نوجد فيه.
الأصدقاء في "كود. ما" لا يدعون أنهم سيشكلون تفردا عمن عداهم في الأنترنيت, لكنهم على الأقل فرضوا مهنية كل الذين سيكتبون أو يشتغلون في موقعهم, تفاديا للفوضى غير الخلاقة التي يعرفها عالم الويب المغربي حاليا. حظ سعيد, وديما كود مثلما تقولون في شعاركم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق