الأحد، 13 فبراير 2011

توت عنخ مبارك

وانضاف مبارك لزين العابدين بن علي. صمد فرعون مصر قرابة العشرين يوما قبل أن يفوض سلطاته لنائب الرئيس, ويتنازل أمام شارع هادر, وجيش غير مستعد للمخاطرة أكثر, ودول غربية ذكرت الحكام من أصدقاء الغرب أن الاستعمال الوحيد لهم هو استعمال المنديل الورقي, أي العطس فيه, ثم التلويح به إلى أقرب قمامة. مبارك الذي أمضى العمر كله في خدمة الأجندة الأمريكية في المنطقة وجد نفسه في نهاية عهدة أمام سلسلة من "النونوات" التي أشهرتها في وجهه أمريكا "لابد أن ترحل ناو, لابد أن تنقل صلاحياتك ناو, لا بد أن تذهب لحال سبيلك ناو".
هذه الناو أتى أوانها أخيرا رغم أن الجزيرة ومن والاها انتظروه منذ قرابة الأسبوعينو لكن مبارك والجيش المصري معه, وعلى عادة المسلسلات والافلام المصرية الشهيرة, اختار التمطيط, هذه المرة لا لكي يصل إلى ثلاثين حلقة مثلما تفرض ذلك البرمجة الرمضانية, ولكن لكي يعثر على طريقة مشرفة ما للخروج, علما أن الخروج المشرف الوحيد في مثل هذه الحالة هو أن ينتخب شعبك شخصا آخرا غيركو وتقوم بتسليمه السلطات في حفل داخل قصر الرئاسة والسلام.
الحاكم العربي يرفض هذا الأمر, لذلك اضطر شعب تونس للخروج إلى الشارع واضطر الجيش إلى مساندته, ثم عاد شعب مصر لكي يفعلها, وعادت القوات المسلحة المصرية لكي تسانده بالمثل, مايعني أن بقية الدول العربية ملزمة فعلا اليوم _ مع سقوط أم الدنيا ونظامها _ بالاستفادة من الدرس الكبير الذي جرىو وإعلان دخول أمة العربان المتبقية لعصر الحرية من أوسعع أبوابه, لا من الباب الخلفي الصغير. اليوم وبعد أن انتهى شعبان من بن علي ومبارك, ستكون لهبات الحرية على هذا العالم العربي السجين الكلمة الفصل من الآن فصاعدا.
لم يعد ممكنا أن تقبل الدول الأخرى وجود دول تسير بمنطق غير المنطق الذي يحكم العالم كله, والحكام العرب الذين لم يفهموا الأمر عن طيب خاطر, اضطروا اليوم لفهمه قسرا, وهم يرون مايحدث أمام أعينهم. وأتصور,بل نتصور جميعا أن ماسيحدث بعد اليوم لن يكون إلا تكرارا لما حدث في تونس ومصر بشكل أو بآخر. وبالقدر الذي تهمنا الدول العربية كلها ومصيرهاو بالقدر الأكبر الذي نهتم أكثر بمصير بلدنا والتطورات الممكن حصولها فيه.
ولن نكذب أو نمر إلى الأشياء من طرق أخرى غير الطريق الأقصر أي الطريق المستقيم لكي نقول إننا غير معنيين بما يحدث الآن, بل نحن في قلبه, وعلينا الاستعداد لكل تطوراته باليقين الذي ميزنا باستمرار في هذا البلد على أننا قادرون على مواجهة أي شيء بأكبر قدر من الهدوء. وقد تلقيت اتصالات كثيرة من قراء ومن قيادات حزبية مغربية ومن أصدقاء يقولون فيها إن على الدولة أن تتعامل اليوم مع المظاهرات التي تعرفها البلاد, أو التي ستعرفها بهدوء وسلمية, وأننا جميعا ملزمون بترك الشعب يعبر عن رأيه مما يقع من تضامن مع الشعبين المصري والتونسي, وأيضا بتركه يعبر عن مطالبه الاجتماعية أو الأخرى التي تريد إصلاح ما فسد في منظومتنا السياسية المحلية.
وأكثر هذه الاتصالات موضوعية وعقلا في نظري هي تلك التي قال فيها صاحبها إننا "غير مضطرين لتكرار الأخطاء التي ارتكبها الآخرون, والتي قلنا فيما بيننا أنها أخطاء كانت ممكنة التجاوز", قبل أن يضيف المتحدث "لاحاجة لنا بتوتر نحن الذين بدأنا عملية الإصلاح الكبرى في البلد منذ 1998 حين كلف الملك الراحل الحسن الثاني معارضا يساريا محكوما عليه بالإعدام مرتين لكي يقود حكومة التناوب, ثم أصبح الأمر أكثر وضوحا بعد اعتلاء جلالة محمد السادس العرش, وقيام جلالته بعملية مصالحة كبرى مع ماضي البلد, ومع ثغراته السوداء, حين رأينا على شاشة التلفزيون الرسمي ضحايا التعذيب وسنوات الرصاص يتحدثون عما وقع لهم في السنوات الكالحةو وأيضا مع تكليف وجوه من المعارضة السابقة ومن الحركة اليسارية بمناصب عديدة في الدولة".
مخاطبي أضاف "حقيقة وقعت أشياء تشبه الردة في العشر سنوات الاخيرة, لكنني أتصور أنه من الظلم مقارنة الحالة المغربية بحالات عربية أخرى, وإذا ماكنا نريد الركوب على موجة الإصلاحات القسرية أو الإرادية التي تقع اليوم في العالم العربي, فعلينا الاحتفاظ بخصوصيتنا المغربية, والانتباه إلى هذا الاستثناء المحلي الموجود قسرا رغم أن بعض الراغبين في أشياء أخرى غير تلك التي يعلنونها يقولون بأنه ليس هناك أي استثناء في أيدولة عربية".
تأملت كلام مخاطبي فلم أجد فيه _ والحق يقال _ إلا الكثير من المنطق, ووجدتني أردد إن درسا مغربيا ينتظرنا بالتأكيد وسط كل مايقع الآن في العالم العربي, لعله درس القدرة على الاستفادة طوعا من كل ماجرى, وتلافي الكثير من آيات العناد التي سقط فيها آخرون وجروا بها بلدانهم إلى الخراب, ولاشيء غير الخراب.
أما عن مصر فالأكيد أن أبناءها سيعالجون كل ماوقع فيها من أحداث ربما كانوا يأملون لها نهاية أفضل غير أن ينقلب الجيش على الجيش( لايجب أن ننسى أن مبارك كان طيارا) وأن تعتقد الجموع في الختام أن الديمقراطية تأتي على يد هذا الانقلاب.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضححك ومؤلم ذلك المشهد الذي رأيناه على الشاشات الغربية, حين سجدت الجماهير المصرية في الإسكندرية شكرا لله على تنحي الرئيس مبارك قبل أن يقدم هذا الأخير خطابه يوم الخميس الفارط. بعد الخطاب تناقلت وكاالات الأنباء العالمية مشهد الجماهير ذاتها التي سجدت بعد شائعة التنحي وهي تبكي وتصاب بالإغماء, وتصرخ وتولول لأن مبارك يرفض الذهاب ويفضل نقل صلاحياته لنائبه عمر سليمان.
علينا فعلا أن نفهم أن العواطف لاتصنع مستقبل الشعوب وأن على هذه الأخيرة إذا أرادت التقدم فعلا أن ترفع مستوى وعيها أولا وبعدها أن تغير ماشاءت من الرؤساء والحكام.
قبل هذا الأمر لاحق لنا في شيء على الإطلاق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق