الثلاثاء، 15 فبراير 2011

صورة فقط

من تابعوا أحداث مصر الأخيرة لم يتوقفوا عند كثير الصور الإعلامية التي صنعت المعركة كلها, والتي انتهت بانتصار ميدان التحرير على مبارك, وفرار هذا الأخير إلى مكان غير معلوم. هذه الصورة كانت في قلب الحرب كلها التي دارت على امتداد أيام الاعتصام, وشكلت السللاح الذي صارع به كل طرف الطرف الآخر إلى أن كان الانتهاء من الحرب كلها, ولا بأس بالنسبة لنا نحن الذين تجمعنا بالصور الإعلامية علاقة جد معقدة أن نتوقف قليلا عند الصور التي شكلت الصراع لقراءتها والاستفادة مما قد تحمله من دروس لكل غاية مفيدة.
أولى الصور الإعلامية البارزة التي حملتها هذه "الحرب" هي صورة ماسمي لاحقا "معركة الجمل". استطاع المتظاهرون في ميدان التحرير اعتمادا على صور لخيالة ولهجانة من راكبي الجمال أن يسوقوا صورة نظام عتيق للغاية لايملك أمام شباب يمضي الوقت كله أما حواسيبه مرتبطا بالفيسبوك والتويتر وبقية المواقع الاجتماعية الحديثة. تلقى مبارك ونظامه ضربة كانت القاصمة فعلا في هذه المعركة, وتبين بشكل واضح أن كل الإعلام الرسمي العمومي الذي يتحكم في زمامه الرئيس المصري السابق هو إعلام غير صالح لشيء أمام قوة المشهد وتأثيره على جموع لديها استعداد مباشر لتلقي صورة معينة هي التي تتحكم في موقفها من كل الأحداث.
الصورة الثانية القاسية التي تحكمت في مسار هذا الصراع, هي صورة سيارة مصفحة للشرطة قامت بصدم متظاهرين في طريقهم إلى ميدان التجرير. قناة الجزيرة التي تمتلك خبراء حقيقيين في فن الصور ومعاركها قامت منذ أن أخذت الصور عن اليوتوب ببث الصورة مالايقل عن عشرين مرة في اليوم الواحدو ما رسخ في أذهان المتتبعين والمشاهدين أن النظام المصري هو نظام لايتردد في سحق المتظاهرين سلميا, والدوس عليهم بسيارات شرطته المصحة ما أنتج تعاطفا لامثيل له للرأي العام العربي والعالمي مع المتظاهرين, وأنتج بالمقابل عداء واضحا للنظام المصري السابق.
من صور المعركة التي دارت بين مبارك ومعارضيه أيضا صورة ذلك المتظاهر الإسكندراني الذي تقدم بصدره المكشوف إلى قوات الأمن متحديا قوتهم, حيث لم يترددوا في إطلاق الرصاص عليه, وكان لسقوطه أمام عدسات الهواتف النقالة التي تكلفت بنقل المشهد الدموي إلى الأنترنيت ومن ثمة إلى القنوات التلفزية وقع خطير على تطور المعركة كلها, وتفضيل مبارك الهروب ختاما عوض الاستمرار في التشبث بموقفه الغريب من كل هذا الذي جرى في القاهرة على امتداد ثمانية عشر يوما.
صورة أخرى لامفر منها في الحرب الإعلامية التي دارت بين مبارك ومعارضيه هي صورة الحجارة المتبادلة بين مناصري مبارك ومعارضيه في ميدان التحرير. القناة التي تولت نقل الأحداث مباشرة أي قناة الجزيرة لم تقطع البث المباشر عن الساحة إلى أن انتهى المتصارعون من إلقاء الحجارة على بعضهم. من اعتقدوا أن الجزيرة قامت بهذا الأمر عبثا كانوا واهمين, فالقناة القطرية التي لم تخف انحيازها للمتظاهرين منذ بدء الأحداث كانت تعرف أن بثها لأربع وعشرين ساعة من هجوم مناصري مبارك على معارضيه سيرسخ فكرة أساسية في ذهن المشاهدين مفادها أن نظاما لايتورع عن إرسال عناصر من شعبه لكي تلقي الحجارة على عناصر أخرى من نفس الشعب هو نظام لايستجق البقاء في منصبه, وهو ماترسخ فعلا في كل الأذهان, وأعطة ثماره بعد ذلك بأيام.
بعد ذلك كان لصور مشرحة الإسكندرية والجثث المرصوصة فيها, ولمشهد الآباء والأمهات الباكين لأبنائهم القتلى, ولصور المعتصمين في الميدان وهم ينامون تحت الدبابات مباشرة لمنعها من التقدم نحو الميدان وقع قاتل على تطور الأحداث وانتهائها النهاية التي انتهتها. بالمقابل خاض النظام الرسمي المصري المعركة بغباء مريع للغاية خير تجسيد له الخطابات الثلاث للرئيس حسني مبارك والتي كانت فاشلة بالمعنى المهني للتواصل, وشكلت باستثناء أوسطها علامة فارقة ودالة على إفلاس الخطاب الإعلامي الرسمي الذي حاول مقاومة مد الصور عبر الأنترنيت والقنوات المساندة للثورة التي أذاحت فعلا بنظام مبارك بخطب اعتمدت مخاطبة المشاعر لا العقل, وحاول خلالها مبارك أن يتوسل للمصريين لكي يمنحوه مهلة إضافية حتى شهر شتنبر المقبل دون أن يملك أي ذريعة معقولة أو مقبولة إعلاميا لكي يحقق فلعا ماكان يريده.
المعركة الكبرى التي وقعت في مصر كانت معركة صور مع بعضها, والذين ينتقدون اليوم الإعلام الرسمي العمومي في الأنظمة الحالية, يعرفون أنهم يقومون بذلك لأن هذا الإعلام أضحى عاجزا عن مخاطبة الشباب الحالي, ولم يعد يمتلك أي ذرة تواصل مع الأجيال الراهنة. العكس هو الحاصل والخطاب الذي يروجه هذا الإعلام يحقق النقيض من المراد منه, ولنا أن نتخيل في المغرب مثلا شبابنا الحالي وهو ينصت لصوت الرسميين مصطفى العلوي أو غيره من الأبواق التي مل منها الناس وهو يخاطبهم. أي أثر لهذا الخطاب؟ وأي معنى له ؟
للأسف أصدقاؤنا من الرسميين لايطرحون مثل هذه الأسئلة رغم أن الرأي العام المحلي مل من طرحها, وبح صوته من ترديد أثرها القاتل والمريع. لكن من سينصت إلى هذا الكلام؟ هذا هو السؤال الذي ينتظر جوابا قديما من هؤلاء, منذ الزمن "العتيق".
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يتابع بعض المتتبعين لوزارة نزهة الصقلي بذهول كبير التحويل الخطير الذي تم لطلب عروض حول خبرة, رسا على خبيرة مغربية بخصوص مشروع حول صورة المرأة في وسائل الإعلام قبل أن يتحول بقدرة قادر إلى صديقين للوزيرة هما أمين المريني وربيعة الناصري, علما أن الخبيرة المعنية بالأمر رسا عليها الاختيار واشتغلت لمدة ستة أشهر على المشروع, بل تلقت من الوزارة العقد الذي تلقته لكي تقرأه وتوقعه, قبل أن تدخل منتمية لحزب الوزيرة إلى ديوانها, وتتدخل في الصفقة لكي تحولها إلى الإسمين المذكورين, وتغير إسمها تماما.
بعض التصرفات لانجد لها تبريرا إلا التخمين بأنها تتم دون علم بعض الوزراء, هذا مانتمناه على الأقل, أما إذا كان الأمر قد تم بعلم الوزيرة فالأمر يتطلب كلاما آخر بطبيعة الحال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق