السبت، 26 فبراير 2011

أيامنا القادمة

كيف ستكون الأيام القادمة؟ الجواب علمه عند عالم الغيب بكل تأكيد, ولكن طرحه يخفي فقط التخوف من اللحظات المقبلة في المغرب. لانخشى زوال مجد مادي أو أدبي, وليست لنا ضيعات سيتم تأميمها في اليوم الموالي لنجاح الثورة, وفيما عدا المال الذي يأتينا نهاية الشهر نتيجة عملنا لانمتلك شيئا قد نخاف عليه. ومع ذلك تجدنا نحن البسطاء اليوم الأخوف على الوطن, ومع علمي أن كلمة الأخوف غير صحيحة عربيا لكنني أستعملها لأنني أراها الأقدر على التعبير عن الشعور الذي يخالج أكثر من مغربي وأكثر من مغربية هنا وهناك.
قال لي صديق معطل منذ سنة تخرجنا من الجامعة إلى الآن :" لا أريد للبلد أي سوء, لا أريد فوضى أو تخريبا, أريد ففقط أن يعبر هؤلاء الذين يطالبون بالكثير من الأشياء وأنا منهم بشكل سلمي عن مطالبهم, وأن تسمع الدولة المطالب وأن تنفذ الأقرب منها إلى العقل والمنطق والسلام".
أضاف صديقي "لدينا جميعا فرصة تاريخية لكي نقطع مع مرحلة ونبدأ مرحلة أخرى, ولدينا فرصة كبرى للغاية لكي نصل إلى توافق حقيقي بين شعبنا وبين من يحكمونه لا علاقة له بالتوافق القديم الذي نعرف جميعا كيفية الوصول إليه. ولو رأيت أين أعيش وكيف أعيش وأين وكيف أمضي اليوم بطوله, لقلت إنني أول من سيخرج إلى الشارع لكي يعربد فيه, ويسرق ويختلس ويخرب على الأقل لكي أنفس عن غيظي أنا الذي أمضيت كل تلك السنوات السحيقة في التحصيل العلمي, ووجدتني الآن أضطر للاشتغال سباكا أزيل عن البالوعات اختناقاتها, وأجد نفسي أحيانا أخرى معلقا في السطح أركب "لشي صكع البارابول", قبل أن يمنحني ما تيسر لكي أخفي عنه وجهي, لكنني لا أرى أي نفع في التخريب والتكسير, العكس هو ما أراه: من الممكن أن نقول بحضارة ما نريد ومن الممكن أن يسمعوا هم أيضا بحضارة هذا الذي نريده, ومن الممكن ختاما أن نتوج كل هذه الحضارة بالاستجابة لمطالب الشعب والسلام".
الصورة بهذا الشكل تبدو زاهية للغاية, ولا أعرف إن كان المغرب الحقيقي سيحضر في لحظة الاحتقان الكبرى هاته, لكي يفرض الخروج الحضاري هذا, أم أن تمثيل دور من لم يسمعوا شيئا ولم يفهموا معه أي شيء سيستمر لكي نجد أنفسنا في لحظة من اللحظات أمام أشياء لا نريدها نهائيا لهذا البلد مهما كان. لا أعرف ولا أحد منا يعرف كيف ستتطور الأمور, لكن من حقنا أن نصادق على كلام الصديق المعطل جميعا لكي نقول إننا فعلا أمام هنيهة تاريخية نادرة ليس من حقنا أن نضيعها أو نخلف معها الموعد.
اليوم على البلد أن يجد الوسيلة المثلى _ دون لي ذراع ودون أي تطاول على أي كان _ لكي يطوي صفحة ماض هو الآن في عداد الماضي حتى ونحن نحياه, ولكي يفتح صفحة جديدة تحمل مسمى مغرب الكرامة للجميع دون أي استثناء.
كيف ذلك؟ بسهولة مبالغ فيها رغم ماقد تقوله كل الظواهر: الناس الذين استفادوا من الوضعية القائمة في المغرب اليوم عليهم أن يستوعبوا أن الوضع لايمكن أن يستمر على ما هو عليه إلى ما لانهاية. لن يتمكنوا في المقبل من الأسابيع والأشهر والسنوات من الاستمتاع بنتائج استفادتهم, لأن المتضررين من الوضعية, وهم الأكثرية اليوم, قرروا أن كفى. وحتى وإن لم يقرروا ذلك فإن مايرونه اليوم في كل مكان من العالم العربي يشجعهم على المضي في الاتجاه ذاته: أن يصرخوا غضبهم من الميل الفاضح والظالم لكل الأشياء, وأن يطالبوا بكل الأشكال الحضارية الممكنة والسلمية المقتنعة بالسلم بأن يرتفع هذا الظلم, إن عاجلا أو...عاجلا.
لم يعد أمامنا وقت كثير, ولم يعد الصغار والأقل شبابا قادرين على انتظار المزيد من الوقت, ولم تعد الروح المسيطرة في البلد قادرة على منحنا مهلة إضافية أخرى, فقد كان أمام من يتحكمون في كل شيء متسع كاف من الوقت, واليوم أمامنا فعلا حيز ضيق علينا جميعا أن ننتهزه لكي نجنب بلدنا كل التطورات السلبية التي لاقبل لنا بها على الإطلاق.
هذه هي أمانة بلدنا اليوم في أعناقنا, وهذه هي الكلمة الحق التي ينتظرها منا في هذه اللحظات, وماعداها لن يكون إلا محاولات كاذبة لتزيين واقع بئيس, أو أخرى لامعنى لها لتصويره بشكل مزور نهائيا.
لحسن الحظ التزوير والكذب لم يعودا عملة مقبولة في زمننا المغربي الراهن, فقط تداولهما الكثير من الناس بينهم على حسابنا جميعا فترة طويلة من الوقت, وأتى الزمن الجديد الذي لاتقبل فيه الأجيال التي تحيا فيه إلا أن يقال لها كل شيء بوضوح, سواء كان ذلك الشيء إيجابيا أو سلبيا, وبعد ذلك سترى هي كيف سيكون موقفها من هذا الشيء.
تاريخ جديد بكل اختصار, يكفي أن نفهم جميعا هذا الأمر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
الإشاعات التي انطلقت يوم الخميس الفارط بخصوص التعديل الحكومي المرتقب هي دليل على أن المغاربة اليوم ينتظرون شيئا ما أو خطوة ما تكون ردا حقيقيا على ماوقع يوم العشرين من فبراير, وهي حجة على أن لشعبنا اهتماما حقيقيا بسياسة بلده, وهو اليوم في انتظار أن تثبت له الطبقة السياسية بالمقابل أنها هي الأخرى تتقن الإنصات لصوت الناس, وأنها تعي جيدا معنى تحول الإشاعات إلى حقيقة يروجها الناس باعتبارها وقعت بالفعل, وكانوا شهودا عليها أو سمعوا بها من مصادر مطلعة.
لسنا محتاجين للعيش مزيدا من الوقت في ظل هذا الارتباك الذي يخلق كل هذه الإشاعات بمختلف أنواعها يوميا وفي كل المدن المغربية في الوقت ذاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق