السبت، 5 فبراير 2011

لك الله يامصر

رأينا مصر تحترق صباح ومساء الأربعاء. رأينا فيها احتراق نجيب محفوظ والروايات التي صنعت لغتنا العربية يوما. رأينا فيها احتراق أفلام يوسف شاهين التي خاطبت فينا العين والذهن يوما. رأينا فيها احتراق صوت أم كلثوم ومماويل الليل التي أسكرت كل العشاق. رأينا فيها احتراق كل من أحببناهم وجعلونا نحب الحياة في لحظة من اللحظات.
الكثيرون من الذين لايرون أبعد من أرنبة أنوفهم يهللون اليوم لما يقع ويقولون إن الشعب المصري يتخلص من ديكتاتوره والسلام. هم لا يقولون لنا من سيمسك بالحكم بعده؟ ومن سيقود هذه الجموع؟ ومن سيقول لها ادخلي إلى المنازل بعد أن تحقق المراد؟
الحجارة التي كان يتبادلها آبناء مصر بينهم يوم الأربعاء من أجل طبقة سياسية لاتساوي "جزمة" أصغر مصري هي حجارة كانت ترشقنا جميعا، وهي حجارة تقول لن المأزق الذي يوجد فيه العالم العربي الجريح، بعد أن انتفت عنا أية إمكانية للتفاهم بيننا بشكل ودي وحضاري مثلما يفعل الآخرون. ولكم كرهت الشيخ المتصابي يوسف القرضاوي مجددا وهو يطلب من منفاه المخملي بالدوحة من الشباب المصري الذي كنا نراه بأعيننا يتقاذف بالحجارة أن لايغادر ميدان التحرير.
نداء متوقع من شيخ المتطرفين, الذي يقطن في قصر فاخر في دوحة حمد والذي لم يساهم مع المصريين وثورتهم إلا ببعض الأدعية عبر قناة "الجزيرة" بأن يشد الله من عضدهم وأن ينصرهم على من عاداهم, قبل أن يستقل الطائرة هو الآخر بعد "نجاح الثورة" إلى القاهرة لكي يدخلها دخول الفاتحين, تماما مثلما فعل راشد الغنوشي قبله في تونس.
هل هي ثورة شعبية إذن حقا هاته التي نراها بأعيننا عبر التلفزيون؟ أم هي شيء آخر اختلط فيه الاحتقان الداخلي باليد الخارجية برغبة التنظيمات المتطرفة في بسط اليد على العالم العربي المريض, وكل ذلك ممتزجا بالإرادة العليا الأمريكية في إعادة توزيع الأدوار للفترة المقبلة من الزمن؟
لاتهمنا هنا الإجابات الكثيرة, خصوصا وأن المحللين السياسيين والمحرمين كذلك أصبحوا أكثر من الهم على القلب هذه الأيام, وبعضهم لايعرف هل ينبغي أن يكتب التحليل السياسي لقرائه أم عليه أن يكتب أمنياته وأحلام اليقظة التي تراوده في بلدان الناس, لكن أيضا في بلده دون أن يستطيع التعبير عن ذلك مباشرة ودون خوف من العواقب الكثيرة.
مايهمنا فعلا هو أن شعبا عظيما لبلد عظيم مثل شعب مصر وبلد مصر لايستحقان المشهد البربري والوحشي الذي شاهدناه يوم الأربعاء.
مصر التي في خاطري مثلما غنت المغنية منذ الزمن الفائت, والتي أسست في دواخل كل منا شيئا جميلا أساسيا, لا تستحق أن يضرب أبناؤها بعضهم بالطوب والحجارة, وأن يهدوا تلفزيون دولة بدوية متخلفة _ مهما بلغ ثراؤها البترولي _ مثل قطر فرصة التشفي الصغيرة التي تابعناها طيلة هذه الأيام على شاشة القناة إياها. مصر التي في خاطر كل واحد منا, والتي كانت تغيظنا أحيانا بتعاليها الحقيقي أو المتخيل علينا, والتي قهرتنا بمسلسلاتها الكثيرة وأفلامها اللاتنتهي واقتحامها لمنازلنا دون إذن, والتي اكتشفنا فجأة أننا نحبها أكثر مما كنا نعتقد ليست البلد الذي ينزل صغاره وكباره لكي يحطموا أرضيته ويصنعوا منها حجارة لضرب بعضهم البعض.
في ذلك الأربعاء الحزين, تذكرنا كل من نعرفهم من المصريين, وكنا مع كل وجه جديد نتذكره, نقول إن البلد أكبر من هذا الحضيض الذي نزل إليه. وبحثنا ونقبنا في التفاصيل الصغيرة القاتلة, ووجدنا التنظيم المتطرف إياه يبتسم بخبث بعد أن استطاع التسلل لدعوة صغار الفيسبوك, ومثل دور الراغب في الانخراط في الثورة الشعبية, قبل أن يكشر عن أنيابه يوم الثلاثاء الفارط, حين وزع منشوراته بين حضور المظاهرة المليونية, وحين قام بمنع النساء من الاختلاط بالرجال في المظاهرة, وحين رفضت قياداته السماح لهن بالصلاة مع الذكور في ساحة التحرير.
حقيقة تصدى الشباب من محركي الثورة للإخوان المسلمين حين قاموا بهذه التصرفات, لكن هل لازال الوقت ممكنا لتجنب سرقة ثورة الشباب العفوية من هذا التنظيم المتطرف؟
نعتقد متألمين أن الوقت قد فات, وأن مصر أسلمت زمام عقلها وقياد مستقبلها للفوضى وللظلام. ونتصور أن العالم العربي سيسير على خطى الأخت الكبرى أو الشقيقة الأولى, مثلما تعود فعل ذلك دائما. سنرى التنظيمات المتطرفة التي قررت أمريكا أن تلعب بها لعبة الزمن القادم تحتل المراتب الأولى في كل الترتيبات المقبلة, وسنفهم أن الغرب المسيحي المتطرف لايضيره في شيء أن يمنح الشرق المسلم المتطرف أيضا إمكانية الحكم شرط الحفاظ على المصالح وهو ماسيتم بكل تأكيد.
أما نحن الذين كنا نعتقد أن قيم حقوق الإنسان ومعاداة التطرف والرغبة في إدخال مجتمعاتنا إلى الحداثة والتقدم هي الأفكار التي تحرك الغرب فعلا, فكم كنا واهمين, يوم صدقنا كل ذلك, ونسينا أن "ماما أمريكا" بالتحديد لاتكترث بشيء أو بأحد أكثر من مصالحها.
لك الله يامصر مثلما كان المصريون يقولون دائما. ونعتقد أننا يجب أن نضيف "ولك الله أيها العالم العربي المريض" في الأيام القليلة المقبلة.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مضحك موقف صديقنا رئيس اليمن علي عبد الله صالح. الرجل تذكر أن بلاده بحاجة للإصلاح الآن فقط, واستوعب أنه غير ملزم بترشيح نفسه للانتخابات القادمة سنة 2013 في بلده, وفهم أن إبنه لايصلح لخلافته عكس ماكان مقررا من قبل في مخيلته ومخطط المقربين منه الذين يحيطون به منذ إثنين وثلاثين سنة, هي زمن سيطرته على الحكم.
بعض حكامنا العرب _ عفا الله عنا وعنهم منهم _ هم سبب الكوارث التي تجتاحنا اليوم, إذ ما معنى أن يكم رجل شعبه 32 عاما ثم يتذكر بعد ما وقع في مصر أن عليه أن يشرع في الإصلاح؟ لامعنى, ولا حول طبعا ولا قوة...
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق