الثلاثاء، 8 فبراير 2011

النزول إلى الشارع

بعد جمعة الغضب، وجمعة الرحيل وآحد الشهداء، يبدو أن المصريين ملزمون بالبحث عن أسماء مبتكرة جديدة لثورتهم في ميدان التحرير خصوصا في ظل المتغيرات الكثيرة التي حدثت منذ أن اندلعت شرارة هذه الأحداث في أرض الكنانة يوم الخامس والعشرين من يناير الفارط، وحتى اللحظة التي تكتب فيها هذه الأسطر نفسها، والتي لايعرف أحد ما الذي سيحدث بعد كتابتها بقليل
علينا الاعتراف أن ماقام به الشباب في مصر هو أكبر من المتوقع وأن سقف مطالبهم فاق تفاؤل أكبر ثوري فينا، وأنهم حركوا العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه, وأن مفعول ثورة الياسمين في تونس ساعدهم على أن يعطوا دفقا كبيرا لحركتهم.
علينا الاعتراف أيضا أن ماوقع في أرض الكنانة حرك كثير الأشياء النائمة في بلاد العرب, وأن وقعه كان أكبر من وقع ماحدث في تونس, بالنظر لقيمة مصر في الوطن العربي, وبالنظر لحجمها وتأثيرها وكل ما تحتفظ به من علاقات متينة مع كل الدول العربية التي وإن رأت فيها الشقيقة المتعالية حينا, فإنها لاتزيل عنها صفة الكبرى, مايجعل كل الأعين والآذان تتوجه اليوم إلى القاهرة وبقية محافظات مصر لمعرفة علام سترسو الأمور.
علينا ثالثا الاعتراف أن العالم العربي المريض والنائم كان بحاجة لرجة من هذا النوع, تزيل عن حكامه وهم الاستقرار الكاذب, تعيد لشعوبه بعضا من أمل في التحرر, تسائل المثقفين الذين غابوا عن الشارع وأصبحوا أكبر من أن ينزلوا إليه, تعيد خلخلة كل اليقينيات التي يبدو أننا تسرعنا جميعا في الارتكان إليها واعتبارها قضاء وقدرا.
كل هذا جميل, ويبشر بأن الموت لم يعرف طريقه بالكامل لأمة العربان هاته, وبأن الأجيال الجديدة والرهان الدائن عليها هما في نهاية المطاف الشيء العاقل الوحيد الذي يمكن للمرء أن يقوم به داخل هذه الأمة المسطولة, لكن هناك دائما لكن مع هذه البلاد. وهذه "اللكن" ضرورية, ولا ينفع معها أن ننجر وراء الحماس لكي ننسى وضع الأسئلة الحقيقية لكل ماجرى ويجري الآن في الميدان, ميدان التحرير, لكن بقية الميادين العربية الأخرى المنتظرة لدورها بكل تأكيد كل حسب الحالة ودرجة استفحالها.
من قام بالثورة في مصر اليوم؟
البعض يقول شباب الفيسبوك. الأمر جميل من الناحية النظرية لكنه غير قابل للتطبيق من الناحية العلمية. الثورة دعا إليها على شكل مظاهرات بدائية في الأول شباب الأنترنيت, ثم تلقفها الشارع المصري بكل أطيافه, وبكل الراغبين في صنع شيء فيه, ثم أصبحت على امتداد الأيام صراعات مختلفة ومتنوعة بين تيارات عديدة إلى أن انتهت في يد التيار الأكثر تنظيما اليوم في الشارع المصري, وهو تيار الإخوان المسلمين.
البعض اعتبرها مجرد استعراض للقوة من طرف الإخوان.هم يعرفون أن الظرف ليس لهم, وأن منطق المغالبة الذي يضعونه في المرحلة الأخيرة من برنامجهم السياسي لم يصل بعد, لذلك لامفر من تفعيل المرتبة التي تسبقه أي منطق المشاركة.
غير أن مشاركة اليوم في مصر تختلف عن مشاركة ماقبل 2005. لايتعلق الأمر الآن بتقديم مائة نائب إخواني إلى انتخابات مجلس الشعب, لا, الكعكة أكبر بكثير هذه المرة. فنظام مبارك بالشكل القديم الذي كان عليه انتهى نهائيا. الحزب الوطني يلفظ أنفاسه الأخيرة. جمال لن يرث مصر, وأغلب القيادات السياسية المؤهلة لتولي منصب الرئاسة في المرحلة المقبلة هي قيادات فوق الستين, مايعني أن الاستقرار لن يعرف طريقه إلى بر المحروسة في القريب العاجل.
إذن هناك إمكانية للعب لعبة أكبر, وهو ماقام به تيار الإخوان المسلمين حين ميز نفسه من بين كل فعاليات ميدان التحرير, من خلال تنظيمه أولا, من خلال مواجهته للهجوم على الميدان ثانيا, ومن خلال رفضه الحوار في مرحلة أولى ثالثا.
الكل كان يعرف أن الإخوان سيشاركون في الحوار لأنها فرصتهم الأخيرة للجلوس ووضع بعض الشروط على الدولة في مصر, لكنهم كانوا ملزمين برفض هذا الحوار في مرحلة أولى لكي يوصلوا الرسالة إلى "ماما أمريكا" التي ترعى كل هذا الذي يجري الآن في المنطقة أنهم يريدون "قطعة أكبر من الكعكة", وهو الأمر الذي سيكون لهم بكل تأكيد بالنظر إلى كل ماحدث في مصر منذ الخامس والعشرين من يناير.
نعود الآن إلى شباب الفيسبوك الذين أراد البعض تحميلهم مالاطاقة لهم به. أجمل شيء في صرخة هذا الجيل الجديد أنها صرخة وصلت إلى كل الآذان. حقيقة, التلقي اختلف بين الجهات والمصالح والمراد من الإنصات, لكن جيل اليوم أوصل رسالته التي قوامها : أننا تعبنا من عد الإنصات إلينا, وأن المستقبل ينبغي أن يضع في حسابه هذه الفئة الغالبة عدديا, غير الموجودة نهائيا في أي مخطط سياسي في العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه.
ليس هناك تأطير سياسي لهذه الفئة, هذه حقيقة, ثبتت مجددا في أحداث مصر. ليس هناك تكوين سياسي فعلي, هذه أيضا حقيقة, وليست هناك قيادة موحدة لهذه الجموع الرقمية المنتشرة وراء الحواسيب, هذه هي الحقيقة الثالثة. لكن الحقيقة التي ستظل ملتصقة بهذا التاريخ إلى الأبد هي أن هؤلاء الصغار استطاعوا الدفع نحو فعل ماظل يخشاه العدد العديد من الكبار: النزول إلى الشارع, لكن بأي ثمن؟ ومن سيؤدي الفاتورة الختامية في نهاية المطاف؟ ذلك هوالسؤال المؤجل جوابه إلى حين.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
محمد حسنين هيكل الذي يقدم نفسه الآن باعتباره المساند الأكبر لثورة شباب مصر هو أكبر رمز لنظام مصر منذ 1952, وهو من أطلق على هزيمة 67 إسم النكسة الذي اشتهرت به, وكان المصريون يقولون في النكتة إن "هيكل بيدلع الهزيمة وبيسميها النكسة", وهو من ظل باستمرار مثقف النظام المصري قبل أن يكتشف أن الموجة اليوم تحتاج كلاما آخر يقال عبر "الجزيرة".
رعى الله بخير أحمد فؤاد نجم الذي كتب عن الأستاذ ميكي قبل هذا الزمن بكثير
في رائعته الشهيرة التي مطلعها " بصراحه يا أستاذ ميكى
انك رجعى وتشكيكى
قاعد لامؤاخذة تهلفط
وكلامك رومانتيكى
" لكن الزمن أراد هذه الانقلابات الخطيرة في كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق