الأحد، 14 نونبر 2010

الجزيرة وشبه الجزيرة

بالنسبة للجزيرة القطرية أو الجزائرية _ والأمر سيان _ لامفر من الاعتراف أن عددا كبيرا من المدنيين قد سقط في أحداث العيون, ومع كل التفنيد الذي ساقه المغرب, ومع كل التكذيب الذي ساقته كل المنظمات الحقوقية المتابعة لهذا الملف, إلا أنه "اللي فراس الجمل فراس الجمال". الجزيرة مصرة على أن المغرب أسقط عددا كبيرا من المدنيين في هذه الأحداث, وهو الأمر الذي لايمكن الرد عليه إلأا بالموافقة في ظل الإصرار المبالغ فيها من طرف القناة القطرية أو الجزائرية للتأكيد على هذه المسألة.
طيب ياسيدي, سقط كل هؤلاء المدنيون في هذه الأحداث, ولا حل لنا إلا طلب العفو من جهة ما يبدو أنها هي الجزيرة نفسها التي تعتقد أن من حقها أن تكذب على الدول والبلدان التي لاتشاطر أميرها نفس التصورات للوقائع وتطوراتها, والمغرب لامشكل له في هذا الأمر نهائيا إذ هو طوى صفحة هذه القناة, ويعتبر أن من حقها عليه أن تطلب اليوم ماتشاء لكي ترضى وتنسى عليها ماوقع بخصوص مكتبها الرباطي الذي تم إغلاقه مؤخرا. ومع ذلك لامفر من طرح السؤال: أي نوع من الصحافة هذا الذي نعايشه مع الإسبان الذين يكذبون علينا والقطريين الذين يريدون خلق حرب وهمية في الصحراء إرضاء لغرورهم المريض؟
البعض يقول إن المغرب يتخيل كل هذه الحرب الإعلامية التي لاوجود لها, ويتوهم اصطفاف أعداء خياليين يقفون ضد وحدته الترابية ويتمنون اليوم الذي سيأتي عليهم, ويعتبر أن الإسبان أكبر من أن يخلقوا أخبارا كاذبة حول قضية الصحراء, وأن القطريين الذين يسيرون الجزيرة هم أناس يمتلكون مايكفي من المهنية لكي يتفادوا الكذب على الدول التي لاتشاطر الدولة الممولة لهم الآراء. لكن الأمر لايستقيم مع كل مانراه اليوم على صفحات الجرائد الإسبانية وعلى شاشة القناة القطرية التمويل, والإخوانية الهوى, والعدوانية تجاه المغرب بشكل لايقبل أي جدال.
الإسبان لم يكلفوا أنفسهم عناء التنقل إلى الصحراء لاكتشاف حقيقة الوضع هناك. هم اكتفوا بالقصاصات الإخبارية التي تبثها وكالة الأنباء الصحراوية, واكتفوا بتصديق مايقوله البوليساريو وإعلام الجزائر من كون المغرب يخوض "حرب إبادة جماعية" ضد المدنيين في الصحراء, وهو أمر سيء للغاية من طرف أصدقائنا الإسبان الذين كنا نعتقد لسنوات أن تخلصهم من حكم فرانكو ساهم في تبنيهم لفكر ديمقراطي فعلي مبني على صحافة تقدم الأخبار الحقيقية لا الكاذبة, وتمتهن خطابا مهنيا فعليا يسمح لها لكي تقدم لنا الدروس باستمرار سواء فيما يتعلق بممارستنا الصحفية أو بتدربنا على الديمقراطية الوليدة في المغرب.
بالنسبة للجزيرة, الأمر مختلف تماما. القناة القطرية تعتبر أن الأحداث الأخيرة في العيون هي هدية من السماء لها لكي تصفي كل الحسابات العالقة مع المغرب. البلد القصي في العالم العربي امتلك مايكفي من الجرأة لكي يعلق اشتغال مكتب القناة في عاصمته, وتصور أنه يتوفر على سيادة إعلامية تسمح له باتخاذ مايريد من القرارات التي يعتبر أنها تتماشى مع سياسته الحالية. لكن السادة القطريين الذين يحكمون العالم العربي عبر القناة المنتشرة فيه لم يفهموا هذه المسألة بهذا الشكل. هم اعتبروا أن المغرب تمرد على سلطتهم التي كرسوها في العالم العربي, ووجد من المبررات الوجيهة مايكفي لاتخاذ قرار صادف إجماعا شعبيا وحزبيا منقطع النظير. وهذا الأمر لم تقبله الجزيرة. ولحسن حظ القناة القطرية جاءت أحداث العيون في اللحظة المناسبة لكي تذكرنا القناة بشكل متصاب للغاية أن المغرب أقفل مكتبها في الرباط وسحب كل اعتمادات العاملين فيه, وهذا عقب كل تقرير تقدمه القناة عن الأحداث في الصحراء.
طبعا نحن توهمنا أن القناة وهي قناة الرأي والرأي الآخر, والقناة التي تحمل كل الشعارات الكاذبة عن المهنية في أقصى درجاتها, لن تجعل من هذه الأحداث وسيلة لتصفية الحساب مع المغرب. قلنا إنها ستجد حرجا كبيرا في اللعب المكشوف بهذه الطريقة, وستحاول _ على الأقل ذرا للرماد في العيون _ أن تقدم عملا مهنيا يقربها من المشاهد المغربي, ويجعله يقتنع أن دولته أخطأت حين قامت بمنع مكتب الجزيرة من الاشتغال في الرباط. لكن شيئا من كل هذا لم يحصل. بالعكس, القناة لم تجد حرجا في تبني كلام وأطروحات الانفصاليين, وفتحت لهم بثها المباشر لكي يقولوا عبر شاشتها كل الشر الذي يظنونه في المغرب. بالمقابل لعبت مع من يريدون إيصال تصور المغرب لعبة متصابية جدا قوامها "قولوا لنا مانريد سماعه فقط, وإذا مافكرتم في قول شيء آخر الرد حاضر وسيكون هو جملة أدركنا الوقت السحرية".
في الختام ماوقع لنا مع شبه الجزيرة الإيبيرية أو مع الجزيرة القطرية ينفعنا للاستفادة من درس أساس هو أننا يجب أن نعتمد على أنفسنا لإيصال صوتنا بطريقة احترافية ومهنية فعلية, ويبقى فقط أن نمتلك الرغبة والقدرة على ذلك إذا ماتوفرتا لنا طبعا, وهذا موضوع أخر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تحولت جنازات أبطالنا الذين سقطوا في العيون إلى لحظات عبر فيها الغضب الشعبي المغربي عن نفسه، وسمعنا مواطنين بسطاء يتساءلون "كيف يمكن للدولة أن تلقي بأبنائها دون سلاح في منطقة اضطرابات كبرى؟" وهو تساؤل مشروع للغاية لأن حجم الخسائر وعدد الأرواح التي سقطت ياسئل فعلا المتسببين المباشرين فيها أي همج البوليساريو، لكنه يسائل المسؤولين الأمنيين الذين ألقوا بشباب في ربيع العمر في أتون معركة غير متكافئة مع انفصاليين كانو قادرين في ذلك الإثنين الأسود على ارتكاب كل أنواع الفظاعات الممكنة وغير الممكنة.
للأسف، أدينا ثمن هذا الخطأ من أرواح أبنائنا، وهذا هو أسوأ ما في الموضوع كله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق