الأحد، 14 نونبر 2010

صحراء المفاجآت

هل انتهت أحداث العيون؟ ظاهريا, نعم. الحياة عادت لطبيعتها الأولى. الشوارع, خصوصا منها شارع السمارة الأساسي في المدينة الجنوبية المغربية أزال عنه شغب الأحد وخصوصا همجية الإثنين, وعاد شارعا عاديا تذرعه السيارات والمارة دون أن توجد في وسطه إطارات سيارات مشتعلة وحجارة تحمل على متن سيارات "الجيبط لكي تقطع الطريق, ولا هراوات وسيوف ورايات للبوليساريو تعلو المكان.
هذا ظاهريا, أما في العمق, ففي دواخل كل من في العيون الآن خوف من المستقبل, بعد كل ماجرى, لأن ماجرى لم يكن هينا على الإطلاق. بلغة محللي السياسة هذه أشرس مواجهات عرفتها المنطقة منذ عشرين سنة, وبلغة المواطن المغربي البسيطة "القضية حامضة بزاف". شيء ما سيجثم ابتداء من الآن على الصدور أسوء تمثيل له صورة تلك الجثة التي تم التمثيل بها, بعد ذبح صاحبها, وبعد إلقائها في الشارع وهي تحمل الزي الرسمي للقوات المساعدة المغربية.
لنستعد الأشياء من بدئها, ولنحاول أن نعثر هادئين تماما, بعد انفعال الإثنين المشروع, عن المتسبب الحقيقي فيما وقع. من يرمون بالكرة اليوم في ملعب مسؤولي المنطقة المحليين يختارون سيارة الإسعاف الأقرب إليهم لكي يطلقوا عليها الرصاص. أجلموس أو ولد الرشيد, حمدي أو خليهن, وبقية المسؤولين مجرد تمظهرات لمشكلة كبرى إسمها قضية الصحراء المغربية ابتلاها الله بأناس لايعرفون كيفية تسييرها, وارتكبوا على مدار سنوات هذا الصراع كل الكوارث الممكن تخيلها, والتي وصلت تتويجها الإثنين بمنظر أولئك الشباب وهم يحملون داخل شارع السمارة أعلام البوليساريو ويصيحون "لابديل لابديل عن تقرير المصير".
من كذبوا على المغاربة وقالوا لهم إن مخيم النازحين ان مخيما بمطالب اجتماعية فقط يتحملون المسؤولية. من روجوا لسنوات فكرة تحكمهم في الصحراء وقدرتهم على ضبط إيقاعات كل اختلافاتها وتنافراتها يتحملون المسؤولية. من ازدادوا غنى على غنى في الوقت الذي كان الشعب المغربي يدفع فيه ثمن بقاء الصحراء لدينا يتحملون المسؤولية. من جعلوا مواطن الداخل يدفع ثمن قالب السكر بخمسة عشر درهما لكي يساوي في الصحراء أربعة دراهم فقط يتحملون المسؤولية. من اخترعوا لنا تسييرا لهذه القضية بموجبه يعتقد أبناء تلك المنطقة أن من حقهم أن يأخذوا كل شيء أو يجاهروا برغبتهم في الانفصال عنا يتحملون المسؤولية. من فسروا لأبناء تلك الجهة أنهم الأحق بكل شيء شرط البقاء معنا فقط يتحملون المسؤولية. من جعلوا النقل إلى العيون وغيرها من مناطق البلد طريقة لمعاقبة المسؤولين الأمنيين يتحملون المسؤولية.
للمغاربة مع الصحراء حكاية معقدة للغاية قوامها أن هذه الأرض تبلغ قرابة الخمسة وأربعين في المائة من مجموع ترابنا الوطني, ومعنى التسليم فيها يوما أننا نسلم في الوطن كله, لكن هذه الصحراء (أو مدينة الملح الكبرى بتعبير منيف العظيم) تستعصي على هكذا حساب عادي, وترفض مثلما يرفض أبناؤها أن يتحولوا إلى نسبة مائوية من تراب عام مهما عظمت هذه النسبة. هم يقولون إن لهم خصوصية علينا جميعا احترامها, ونحن نقول لهم نعم, لكننا في المغرب كله أناس بخصوصيات تمتلكها كل منطقة على حدة, وتقسيم البلد على أساس هذه الخصوصيات لن ينفع كثيرا, بل هو أمر مستحيل, لأن معنى ذلك أن نزيل من أذهاننا فكرة البلد نهائيا.
وهنا بالتحديد, في منطقة التنافر هاته يقبع المشكل كله: كيف نسمح لهذه الخصوصية بالتعبير عن نفسها داخل المشترك الجماعي الذي لابديل لنا عنه نهائيا؟ المغرب اقترح الحكم الذاتي حلا, والبوليساريو تقترح شيئا يشبه الإعدام الجماعي للمنطقة كلها إسمه استفتاء غير ممكن التحقق في الظروف الحالية أو حرب لاقبل لأحد بها في الجزء كله, والجزائر تقترح إطامة هذا الصراع لإطالة أمد بقاء جنرالاتها في مواقع استفادتهم من الوضع المزري هناك.
ما الحل؟ هناك حل وحيد اليوم: أن يراجع المغرب طريقة تدبيره للملف كله, أن يزيل من ذهنه الفكرة التي تقول إن كبار المنتفعين من المنطقة هم القادرون على تسييرها. هؤلاء لم يكونوا ليجرؤون يوم الإثنين على النزول إلى الشارع, أو التفكير _ مجرد التفكير_ في إسكات الأصوات الغاضبة. لماذا؟ لأن الشباب هناك غير قادرين على الإنصات لهؤلاء مجددا بعد أن أنصت إليهم أجدادهم ولم يتحقق شيء, وأنصت لهم جيل الآباء ولم يتحقق شيء, مايجعل من المستحيل تماما أن يصدق جيل الأبناء مجددا كذبة هؤلاء.
لامفر من رؤية وجهنا اليوم في المرآة, فلاقبل للمغرب بأي مفاجآت أخرى غير سارة تأتيه من هذا الجزء الذي ظللنا لسنوات نقول إنه الجزء العزيز علينا من بلادنا. حقيقة, لاقدرة لنا على المزير من المفاجآت الحزينة من هناك.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
التهريج والشعبوية: يبدو أن عبد الإله بنكيران أمين عام "العدالة والتنمية" قد عثر على "الكرينو" الملائم له لمممارسة سياسته تلفزيونيا من خلال اختيار التهريج والشعبوية لتمييع أي نقاش يمكن أن يدخل فيه كما شاهد ذلك كل المغاربة الذين تابعوا "حوار" الثلاثاء الفارط.
ههل يمكن أن نمارس السياسة بالتهريج فقط؟ في المغرب نعم ممكن، خصوصا في الظروف الحالية، لكن مستقبلا الأر صعب جدا، وهو ماسنحاول اكتشافه في عمود الغد بشكل أكثر تفصيلا لكي نفهم المرور التلفزي لزعيم معتدلي إسلاميي المغرب حسب التوصيف الرسمي لهذه الفرقة "الناجية" غدا نهضرو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق