الأحد، 14 نونبر 2010

بنكيران شو !

بالنسبة لعبد الإله بنكيران، مرور حلة "حوار" ليوم الثلاثاء الفارط هو أفضل بكثير من مرور سابق في البرنامج إياه تلقى بعده مباشرة مكالمة هاتفية من فؤاد عالي الهمة هنأه فيها على توفقه في الظهور التلفزي. مرور الثلاثاء الماضي كان أفضل بكل تأكيد والسبب أن أحدا ما نصح بنكيران بأن يتفادى تماما قول أي شيء قد ينغص عليه المرور. لذلك بدا واثقا من نفسه، مدربا بشكل جيد، ومحتاطا لكل المقالب التي يمكن أن يخرج بعد البرنامج لكي يفسرها أو يعللها أو يبحث لها عن تبرير.
أفضل سلاح ممكن للمسألة والقيام بها احترافيا؟ حل واحد فقط لا ثاني له: التهريج. من نصحوا بنكيران قبل دخول معترك "حوار" الثلاثاء شرحوا له أن من الأفضل أن يهرج عوض أن يغضب، ومن الأحسن له ولحزبه وللأطروحات التي يدافع عنها أن يعوم كل شيء في بحر من الشعبوية التهريجية عوض أن يتحدث بعمق. لماذا؟
لأن الحديث بعمق معناه الكشف عن الوجه الحقيقي للحزب ولزعيمه، وهذا أمر يستحسن تجنبه في الحالي من اللحظات.
الخطة كانت مدروسة منذ البدء، ومن يستطيعون قراءة البرامج التلفزيونية في هذا البلد فهموا منذ الوهلة الأولى للقاء أن بنكيران سيخرج منتصرا لأن سلاح التهريج بالتحديد ينفع حين لايكون محاوروك راغبين فيه، أي آتين من أجل حوار جدي مبالغ فيه، مايسقط كل حساباتهم في الفراغ نهائيا.
وحده زميلنا الرمضاني من "ميد راديو" تفطن للعبة في لحظة مبكرة من اللقاء، وقرر أن يرجع إلى الوراء، أن يتفادى الصراخ ولعب اللعبة مع بنكيران مثلما قررها ذلك الثلاثاء، وهو مامكن الرمضاني من طرح الأسئلة الأكثر إحراجا وعمقا في البرنامج كله، خصوصا منها ذلك السؤال الذي فضل بنكيران الهروب منه وتفاديه والقفز على كل حواجزه "علاش كتقولو هاد الهضرة حتى كيقولها الملك؟"
فيما عدا ذلك "شابو" مثلما يقول الفرنسيون، أو "قبعة" إذا أردنا الترجمة الرديئة للكلمة لبنكيران ولمن نصحه بتبني هذه السياسة التواصلية الجديدة في الحوار. ذلك أنه وعلى مايبدو هذه هي السياسة الأفضل للمرور في برنامج تلفزيوني مثل برنامج "حوار" أو على الأقل هذه هي السياسة التي تجعل الضيف يخرج منتصرا أو يخرج أقل تضررا من غيرها.
ومع ذلك هناك بعض النقط التي ظلت منفلتة من النقاش. نظير لفظة "قلة الحياء" التي وصف بها بنكيران الدولة التي منعته وحزبه من الخروج في مظاهرات التنديد ب١٦ ماي ٢٠٠٣. الأمر كان مفارقة رائعة لم ينتبه إليها الحضور لفرط كبر الكلمة التي استعملها بنكيران: قلة الحياء. علما أن قلة الحياء الحقيقية هي أن تهيئ التربة الفكرية لحوادث الإرهاب تلك، وبعدها تطالب بحقك في أن تخرج للتنديد به. قلة الحياء الحقيقية هي أن لاتجد ماتقوله عن العيون، فترتكب جملة "صحراوة جيب ليهم المغنين والمغنيات" دون أن يوقفك أحد من الحاضرين ويطرح عليك السؤال مجددا "ومالك نتا معا الغنا؟ ياكما حرام وحنا مافخبارناش؟"
قلة الحياء الحقيقية هي أن تعتبر أن سبع سنوات هي كافية لكي ينسى الشعب المغربي الفتاوى التي كانت تنشر في كل الجرائد التي كنت تشرف عليها، والتي كانت تقول لنا إن المغرب ماخور كبير حق الجهاد في أهله والمتحكمين في مصيره إلى أن يتوبوا.
غير أن كل هذا الكلام اليوم لاأهمية له على الإطلاق. درس "حوار" ليلة الثلاثاء الفارطة هو أنه بإمكانك أن تكذب على كل الناس كل الوقت، عكس مايقوله المأثور الشائع. فقط يلزمك أن تتسلح بمايكفي من "قصوحية الوجه" لكي تخلط كل الأوراق، لكي تتنصل من كل شيء حين ينبغي التنصل، ولكي تتبنى كل شيء حين يجب التبني.
في الختام، وبالنسبة لأي متابع محايد, بنكيران هو النموذج الذي يحبه التلفزيون كما يمارس في عالم اليوم: الكثير من الكلام, القليل من الأخبار, اللغة التي يحب الجميع سماعها, وإن كانت تحمل في طياتها الداخلية عكس مايؤمن به هذا الجميع. ولو كنت مسؤولا في التلفزيون لجعلت من عبد الإله بنكيران ضيفا أساسيا في كل البرامج الحوارية والنشرات الإخبارية إلى أن يتوب عن قول جملة "علاش ماكتعرضوش عليا" التي يتاجر بها هو وحزبه, والتي يقدمانها ابتزازا للتلفزيون المحلي حين يربطونها باستضافتهم في القناة التابعة للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين "ماكتعرضوش علينا نتوما, كتعرض علينا الجزيرة".
الأمر شبيه إلى حد كبير بالاختيار الآخر الذي يقترحه علينا هؤلاء باستمرار "اعترفو بينا حنا ولا راه السلفية والقاعدة غاديين يهجمو عليكم". في النهاية "كاع" التهريج قد يكون مجرد وسيلة فعالة وناجعة لتغطية كثير من الابتزاز السياسي الذي يمارسه الكثيرون. وعندما يقال لي اليوم إن بعض انفصاليي الداخل يمارسون الابتزاز ضد المغرب, أتخيل _ وأتخيل فقط _ أن بعض الأحزاب هي الأخرى تمارس نفس الفعل, لكن برتوشات قادرة على جعله يمر دون إشكال.
الله يهديها وصافي, مثلما قال بنكيران ذاته عن لطيفة أحرار, في ختام هذا "الشو" الناجح جدا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
تصر الجزيرة رغم كل شيء على أن قتلى مدنيين من البوليساريو قد سقطوا في العيون مؤخرا رغم أن كل المنظمات الدولية، وكل الحقائق الآتية من الميدان تقول إن كل الضحايا كانوا من صفوف الأمنيين المغاربة ، بل وتم نشر صور من اغتيلوا غدرا في تلك الآحداث الآثمة، ولكن كل هذا لاينفع لإقناع الجزيرة بمراجعة أدائها المهني وقول الحقيقة.
الدرس من كل هذا: هذه القناة مفقود فيها الأمل كلية، ومن اتخذوا قرار إغلاق مكتبها في الرباط أحسنوا صنعا بالفعل، وعلى من يقولون العكس أن يقنعونا الآن بطريقة ما أنهم محقون، وإلا فإن الصمت الجميل يكون أفضل مايممكن أن يقترفه المرء في هذه الأيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق