الاثنين، 22 نونبر 2010

تكايسو شوية !

العيد الكبير في نهاية المطاف مجرد سنة، وسنة مؤكدة بطبيعة الحال، لكنه بالنسبة للمغاربة فرض الفروض. الفرض العين الذي لايسقط عن البعض إذا قام به البعض الآخر، والواجب الديني الذي لامفر من أدائه ولو اضطرك الأمر للوقوف أمام كل شركات القروض والتسليف لكي ترهن سنة إضافية من عمرك من أجل أداء ثمن الخروف.
عندما كان سيدنا إبراهيم الخليل علي السلام يهم بذبح إبنه بعد رؤيا شهيرة، وكان إبنه يعطيه كل علامات الرضا الكامل( عكس عدد كبير من مساخيط الوالدين اللي عايشين معانا دابا والذين أصبحوا لايتورعون عن قتل والديهم من أجل عشرة دراهم أو ثمن سيجارة) وهو يقول له "ياأبت إفعل ماتؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)، لم يكن الخليل ولا إبنه يعتقدان بعد رؤية الكبش الأقرن الأملح ينزل من السماء معززا مكرما أن المغاربة آلاف السنوات بعد ذلك سيحولون هذا الطقس إلى ماهو عليه اليوم.
الخراف تملأ الشوارع، البقر، أو مايصطلح عليه شعبنا "الضروبات" تتجول بيننا معززة مكرمة حتى تخالنا قد تحولنا إلى الهند الجديدة التي تعبد البقر وتسمح له بالتجول في شوارعها، التبن - أعز الله قدر الجميع - في كل الجنبات، على الطرقات وفي أبواب المدارس والمعامل والمساجد والشركات الراقية الكبرى. سيارات فاخرة للغاية تتحول في هذه الأيام إلى "هوندات" تحمل في صناديقها الخلفية "المبروك" إلى المنزل تحت نظرات الجيران، وتساؤلاتهم الغبية لكن الجميلة على كل حال "آبشحال داك المبروك؟"(ونتي شغلك آلفضولية؟). سكاكين من مختلف الأحجام. الكبير، والصغير، والمتوسط، والماضي والحافي والمائل إلى الشمال والمائل عكسه تماما إلى اليمين، وغير القادر على ذبح دجاجة، والسكين المتخصص في اغتيال أكبر ثور يمكن أن "تتفارض" فيه حومة بأكملها لكي يشمل اللحم بكراماته الجميع.
الشوايات وماأدراك ما الشوايات، مرفوقة بذلك الاستفسار الذي يآتي معها كل سنة "هل يحتاج المغاربة فعلا لاقتناء شوايات جديدة كل عيد كبير؟". الأواني البلاستيكية التي ترافق عملية الاغتيال الجماعية أو مجزرة الخرفان في ذلك اليوم الأغر المسمى العيد الكبير، قناني "والماس" التي لاعلاقة لها بالمحجوبي آحرضان سليل تلك المنطقة وحاكمها التي تجتاح الثلاجات المغربية من أجل قدرة أكبر على التجشؤ أي قدرة أكبر على الالتهام.
باختصار منظر فوضوي رائع يعطينا صورة مكبرة أو مصغرة عن شعبنا ومستوى الوعي لديه اليوم. البعض يقول إنه ليس من حقنا أن نحكم على الناس وفق هاته المظاهر التي توارثوها أحيانا بشكل غير واع، وهي لاتعني في نهاية المطاف أي شيء. لكن الواقع يقول لنا إن هذه المظاهر التي لاتجد من سيكولوجيينا وسوسيولوجيينا أي علماء اجتماعنا من يدرسها حقا هي التي تعطينا الصورة الأمثل عن الشعب وعن حالة الشعب ياسيدي.
قد نكذب على أنفسنا بين فينة وأخرى ونقول إن المغاربة ترقوا في طريقة تفكيرهم كثيرا، وتحولوا إلى كائنات تتحدث عبر الهاتف النقال التابع لثلاثة فاعلين هاتفيين، وغزا الأنترنيت المنازل، وتمكنت أغلبيتنا من فك شيفرة القراءة والكتابة، لكننا في الحقيقة نكذب عى أنفسنا. ومن يريد رؤية وجه المغاربة الحقيقي في المرآة دون رتوشات خادعة ولا كاذبة ماعليه إلا التجول هذه الأيام لكي يكتشف أننا الشعب الوحيد على ما آتصور الذي يجد أن رائحة التبن المتسخ بروث البهائم هي أجمل رائحة يمكن لخياشيمك أن تشمها هذه الأثناء.
في المسألة اعتلال واضحة للصحة العقلية للجموع، وفيه تفسير لعديد الأشياء التي يقوم بها شعبنا في غير هذه المناسبات، وفيه التفسير الأكبر لاطمئنان من يتحكمون في خيرات البلاد والعباد أنهم "ماعندهم مناش يخافو" : الشعب الذي قد تتصور أنه سيعاقب سياسييه الفاشلين في انتخابات ما، مشغول بنوع الأقرن الأملح الذي سيشتريه، وبعد انتهاء العيد سيصبح مشغولا بطريقة تسديده لكل لك "الطريطات" اللعينة التي لايعرف لم يطول أوان أدائها، ويقصر يوم العيد قبلها بكثير.
نضحك من هذه التصرفات، نعم، لكنها في العمق تشعرنا بحزن شديد: المغاربة كان يفترض بهم أن يكونوا في مستوى وعي أكبر من هذا بكثير لو انتهزنا الوقت منذ 1956 إلى الآن لرفع "النيفو" قليلا. المشكلة هي أن هناك من يريد "للنيفو" أن يظل على حاله هذا، لكي يجد في العيد المقبل من يصدق أن قرضا بقيمة عشرة آلاف درهم تدده على عشرين شهرا هو "همزة" حقيقية.
"الهمزة الحقيقية الوحيدة التي تبدو لي في هذه الأرض هي هذا الشعب الأهطل الطيب الذي يصدق كل مايقال له. ومع ذلك "عيد سعيد، وتكايسو شوية". مستشفيات ياسمينة غير قادرة على تحمل المزيد من حالات الإسهال المستصعية بسبب الغنمي وتوابعه. وقد أعذر من أنذر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
عشا مع الصحافة الإسبانية هذه الأيام قصة غير طيبة كثيرا بسبب تصرفات غير مهنية لجأت إليها هذه الصحافة لكي تصفي حسابها مع المغرب، ولم تتورع عن استخدام أشد أنواع التضليل الإعلامي قدما وعتاقة أي اللجوء لصور واستخدامها استخداما غير حقيقي بتقديم معطيات مغلوطة عنها، وهو مايكشف أن الذين يقدمون لنا باستمرار دروسا في الصحافة ومبادئها هم من يحتاج أولا إلى هذه الدروس، مثلما يؤكد لنا ماوقع أن بعض المنبهرين بما يفعله إعلام الإسبان هم بحاجة لمراجعة كل ما يقولونه في هذا المجال، فالفرق شاسع للغاية بين الكلام وبين التطبيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق