الاثنين، 15 نونبر 2010

مجرد وجهة نظر؟

هل أصبحت الخيانة مجرد وجهة نظر؟ يقتلني غيظا هؤلاء الذين يستطيعون اليوم الحديث عن قضية الصحراء دون أي انفعال, بهدوء قاتل, وبحياد مرضي عجيب. يقولون لك "الانفعال لم يوصلنا إلى شيء على امتداد الخمس وثلاثين سنة الماضية, لذلك علينا أن نجرب شيئا جديدا: الهدوء". تهدأ أنت الآخر, ففي النهاية لاأحد يريد الظهور بمنظر الموتور الراغب في الشجار في كل ثانية, وتطلب منهم مقترحات عملية لتفعيل "كل هذا الهدوء".
تطرح السؤال بخصوص الجزائر أولا "قولوا لنا ما الذي يمكننا أن نفعله مع "تريكة والو" هاته؟". يعيبون عليك طريقة طرح السؤال, ويقولون إنه من اللائق أن تتحدث بأسلوب آخر عن الجيران. تعتذر, وتقول إنك مخطئ, لكنك تطالب بحل عملي قبل وبعد كل الأشياء. يشرحون لك أن الظرفية العالمية والحالة الجيوسياسية في المنطقة لاتسمح بهامش مناورة كبير مع الجيران "ميريكان وفرانسا حاضيينا واللي دار شي حاجة غادي يحصل".
طيب أفتونا في أمر الإسبان, قولوا لنا ما الذي يمكن اقترافه في حق هؤلاء السكارى من المهووسين برؤية الثيران تموت يوميا بطريقة همجية. يحدقون فيك شزرا مجددا, ويقولون "هضر مقاد على مستعمرك السابق, فهو علمك كثيرا من الأشياء, ومن علمك حرفا صرت له عبدا". تعترف بعبودية ظللت تكرهها طول حياتك أنت الذي قالوا لك يوم الميلاد إن الناس يولدون أحرارا, وتقول "أفتونا ياعباد الله". يأتيك الرد مترنحا مرة أخرى. إسبانيا حكاية ثانية, لدينا معها اتفاقيات دولية مهمة للبلد, وهي بالنسبة لأوربا والغرب النافذة التي تطل علينا, وهي التي تعطينا باستمرار شهادة حسن السيرة والسلوك كلما احتجناها من أجل إنجاز أي وثيقة رسمية. تقول إن بلدا بسوابق استعماارية بشعة, وبأرواح ريفية شماء ذهبت ضحية الغازات السامة, هو آخر بلد في الكون من حقه أن يعطيني صحيفة سوابقي النظيفة, لكنهم لايكترثون.
تجد نفسك مضطرا لكي تمر للصغار "وهاد البوليساريو ولاد الحرام, شنو نديرو معاهم؟ ماشي حلال فيهم النووي؟". هنا ينتفض مخاطبوك ويتهمونك أنك تعيش في عصر صدام حسين والغازات الكيمياوية وكربلاء والفالوجة, ويؤكدون لك أن المنتظم الدولي لن يسمح لك بالمساس بشعرة واحدة من هؤلاء الذين ينغصون على بلدك العيش بوهم كبير إسمه دولتهم, وبسراب صحراوي منظور بالعين المجردة, غير قابل للتطبيق, ولو نزلت ملائكة الله إلى الأرض للمساعدة على ذلك. أكثر من هذا يتهمونك أنك "مافاهم والو", ويشرحون ويسترسلون في الشرح "البوليساريو خصن نشوفو كيفاش ندخلوهم للمغرب كاملين ونديرو ليهم شي طريقة معينة ديال الجهوية".
ترتعب, وأنت تسأل "فهادو اللي كيدخلو, متأكدين أن كلشي جاي لأن الوطن غفور رحيم, ولا القضية فيها إن؟". هنا يستشيطون غضبا, فأنت في نظرهم تريد التشكيك في المسار السياسي السلمي الناجح الذي مر منه المغرب لحد الآن, وأنت لاترى أبعد من أرنبة أنفك, وأنت إنسان عاجز عن فهم المعادلات السياسية الكبيرة التي تؤسس للغد القادم.
أنت تعترف بكل هذا وأكثر, وتقول لهم "أنا مجرد مواطن مغربي بسيط, منذ أن نشأت وأنا أسمع أن كل المشاكل التي واجهت من ولدوني سببها الصحراء, وبعد أن كبرت فهمت أن كل المشاكل التي واجهتني وستواجهني سببها الصحراء, وبعد أن أصبحت أبا فهمت أن كل المشاكل التي ستواجه من سأتركهم بعدي سيكون سببها الصحراء, كما فهمت أن لاحق لي في الاعتراض: الصحراء ينبغي أن نضحي من أجلها بكل شيء, ولا اعتراض إطلاقا. لكن وبعد أن فهمت كل هذا واستوعبته, وأقفلت عليه داخل ذهني أصبحت أسمع اليوم من طرف البعض إن الصحراء في نهاية المطاف "ليست مقدسة إلى هذا الحد", وأنه من الممكن أن نتفاهم, وأن الخيانة قد تصبح في الختام "مجرد وجهة نظر" أو تدافعا مقبولا بين الناس حول من يريد للبلد أن يبقى واحدا, وبين من يريد له أن يشيع دم تناثره بين القبائل, وأن يأخذ "صحراوة شوية, وريافة شوية, والعربية شوية, والشلوح شوية, والعرب شوية", وأن نزيل من الأذهان فكرة االمغرب "كاع".
هنا صراحة أقولها "هادي صعيبة عليا شوية". أنا وبضعة مواطنين مغاربة أعرفهم ويعرفونني, نقول إننا قد نصبر على كل البلاء, لكن رجاء لاتدخلونا في منطقة المطبات الهوائية هاته لأننا غير قادرين على اجتيازها إلا بكثير الخسائر. هذه الطائرة التي تقلنا لن تنزل بسلام إذا ما تم جرنا إلى هذا النقاش, وفي هذه لابأس أن نكون شوفينيين وأن نعبر عن حبنا لبلدنا بهذا الشكل البدائي الذي لن يروق للكثير من مبرري الخيانة وقبولها في الوطن اليوم: ليلعب الساسة في هذا الوطن كل الألعاب السحرية وخدع الحواة التي يمتلكون وحدهم سحرها, فلن نقول لهم شيئا مهما بالغوا. شيء واحد نضعه خطا أحمر على رقابهم وليكن بعدها مايكون: وحدة هذا الوطن, وذرات ترابه كاملة, إذا فرطوا في جزء ولو يسير منها, ليس لهم من المغاربة إلا اللعنات ومعها الكفر البواح بهم. ولهم ولكل من يستطيع جعل الخيانة "مجرد وجهة نظر" بعد ذلك واسع النظر والتقدير.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
من حق الكل أن ينتقد ابراهيم الفاسي الفهري, لكن ليس من حق أي مغربي أن يتهم مغربيا آخر أنه لايحب فلسطين ويخونها ويسعى للتطبيع مع إسرائيل بطريقة خفية. وليس من حق أي منا أن يمنع الفتى _ فقط لأنه إبن وزير الخارجية _ من الانخراط في فعل يراه مفيدا لبلده مثل منتدى "ميدايز" الذي ينظمه معهده أو منتداه.
الانتقاد شيء, والتحريض ضد الأشخاص شيء آخرو وأحيانا يلزمنا أن لانتبع الجموع في كل ماقد تقوله, لأنه لايكون صحيحا باستمرار, خصوصا في مثل هذه الحالة التي نتحدث عنها الآن.

هناك تعليق واحد:

  1. الإنتماء للوطن ليس شعارات للإستهلاك الإعلامي أو الإنتخابي, الإنتماء تضحية كبيرة و لا يجب أن تكون إلا في سبيل قضية كبرى مثل "الوحدة الترابية", كل من يقف مع الأخر ضدا على مصلحة وطنه و أبناء وطنه لا مسمى أخر لة سوى الخيانة, أن يجور بعض من المسؤولين عليك لا يعني إسقاط ذلك على الوطن ككل, لأانه مهما فعلنا فلن نرد و لو فليلا مما أعطانا هذا الوطن,

    ردحذف