الاثنين، 22 نونبر 2010

ماشي مغاربة

فهمت الآن لماذا يطالب دعاة الانفصال عن المغرب بسحب الجنسية المغربية عنهم. استوعبت بعد أحداث العيون الأخيرة أنهم ليسوا مغاربة بالفعل, وأنهم لايطالبون إلا بحقهم, فقط لاأقل ولا أكثر. فمن يرتكب تلك الأفعال الوحشية التي شاهدناها في الشريط المذكور لا يمكن أن يكون مغربيا, ومن تصل به الحيوانية إلى ذلك الحد الذي لارجعة منه, لايمكن أن يكون مغربيا, ومن يستطيع أن يذبح إنسانا مثلما قد نذبح شاة أو خروفا لايمكن أن يكون مغربيا.
شرعت في استيعاب بعض الفوارق من الآن فصاعدا, ولست الوحيد في ذلك. عدد كبير من المغاربة في كل المدن القريبة والبعيدة أصبحوا يفهمون الفارق الموجود بينهم وبين هؤلاء. وحين كان وزير الداخلية يقول في بيان الشريط الذي أظهره للصحافة إن الأساليب المستعملة في الأحداث من طرف الانفصالين تذكر بأساليب العصابات الإجرامية التي تنشط في منطقة الساحل, إنما كان يبحث عن تعبير ديبلوماسي وسياسي يقول به مانقوله نحن الآن: هؤلاء حاشا أن يكونوا مغاربة, ولاشيء _ نقولها صراحة و"اللي ليها ليها"_ لاشيء يبرر اللجوء إلى كل ذلك العنف المرضي الذي لاتفسير له نهائيا إلا الوحشية.
كجمولة بنت أبيه النائبة البرلمانية التي لطالما انتظرنا الاستماع إليها في قضية من قضايا الوطن تقول اليوم إن "حجم الدمار كان قاسيا وعنيفا من طرف رجال الأمن الذين حموا سكان المغرب الشماليين المستقرين في العيون", وأضافت أن سكان "كولومينا" الذي يقطنه حسبها سكان العيون الأصليون عانوا من هذه التصرفات, ماجعل رد فعلهم أقوى من اللازم.
لتعذرنا النائبة البرلمانية المحترمةو لكننا لانرى أي وجه للصواب في كل ماتقوله. الحديث عن سكان العيون الأصليين وسكانها القادمين من الشمال هو حديث في غير محله, وإذا ماشئنا بعض الدقة في الحديث والصراحة التي قد تكون جارحة بعض الشيء: هذا حديث وقح للغاية لامحل له من الإعراب في مغرب اليوم. المغاربة يعتقدون أو يتوهمون أنه من الممكن بالنسبة لكل واحد منهم أن يختار المدينة التي يريد الاستقرار فيهاو ويعتقدون أيضا أو يتوهمون أنه لايوجد إنسان واحد عاقل في مغرب اليوم سيقول لهم إنهم ليسوا من سكان تلك المدينة الأصليين.
ثم إن الحديث عن شراسة التدخل الأمني أو مساعدة الأمنيين لمن وصفتهم كجمولة بأنهم سكان المغرب الشماليين لايبرر أن يقوم الانفصاليون بذبح رجل أمن, ثم أن يقتادوا سائق سيارة للإسعاف ويقوموا برميه بالحجارة حتى الموت. عذرا سيدتنا النائبة المحترمة, ومع كل الحق الذي يمكن أن تمتلكيه لكي تعبري عن رأيك في مغرب يقبل التعبير عن اختلاف الآراء, لاشيء _ نقولها مجددا لاشيء _ يسمح لإنسان بأن ينحر إنسانا آخر بمبرر أن زملاء الضحية نكلوا في وقت سابق بعائلة من قام بعملية النحر الجبانة تلك.
نحن في المغرب اليوم نؤسس لشيء أو وهم أو واقع أو أسموه ماشئتم نريد له ختاما أن يسمى دولة الحق والقانون, وفي دولة الحق والقانون لاوجود لبرلمانيين يتحدثون عن سكان منطقة ما الأصليين, وعن سكان نازحين إليها. وفي دولة الحق والقانون, لايوجد برلمانيون يقفزون على عمليات نحر مرعبة, ولا يعلقون عليها, وبالمقابل يقولون إنهم شاهدوا بأم أعينهم قوات الأمن تحمي نهب منازل السكان الأصليين من طرف "المستوطنين".
نحن أبناء المناطق الأخرى نعرف شيئا واحدا وسط كل هذا الهراء: عندما كنا ننظم مظاهرة صغيرة في مكناس أو فاس أو الرباط بعدها ونريد الخروج إلى الشارع, كانت قوات الأمن بمختلف أسلاكها تتولى "إكمال مانسي من ولدونا القيام به في تربيتنا", من خلال "هرماكة" لازلنا نتذكر ملامحها إلى اليوم. وأبدا, _ نقول أبدا _ لم يخطر ببالنا يوما بعد أن غطت الدماء وجه واحد منا أو بعد أن تلوت منا الضلوع قليلا أو كثيرا أن نطالب بنزع الجنسية المغربية عنا, وأن نقيم جمهورية انفصالية في مكان ما, وأن نصرخ : ماتضربوناش ولا نمشيو للجزائر.
كذلك عندما تخرجنا من مدارسنا وجامعاتنا ومعاهدنا لم نجرؤ يوما على مطالبة الدولة بتشغيلنا "صحة وإلا سننفصل". كنا نقول لأنفسنا إن من فقروا شعبنا لسنوات وعقود يتحملون مسؤولية وضعنا, لكننا سنصلح وضعنا بيننا وبين أهلنا, ولن تصل بنا وقاحة الجنون حد المطالبة بتقسيم الوطن إلى أشطر فقط لكي نحقق بعض المطالب الاجتماعية.
ولعلنا اليوم نشاهد وجه البعض في المرآة بشكل واضح للغاية: الوطن لايمكن أن يبنيه معنا المؤلفة قلوبهم. الوطن لايبنيه إلا من يحملونه داخل أقفاصهم الصدرية, لا داخل الحسابات البنكية داخل وخارج البلاد. الوطن ختاما ليس رخصة للصيد في أعالي البحار, وليس ضيعات عديدة في إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وسويسرا والمغرب بطبيعة الحال. الوطن فكرة صغيرة جدا تخفق داخل القلب فتهزه بقوة إذ تعن على الذهن مرة فمرة.
هذا هو الفرق ختاما, وهذا هو الفرق قبل أن تبدأ كل الأشياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بما سبق
الطريقة التي تحدث بها الرئيس الفرنسي ساركوزي مع الصحافيين الثلاثة الذين حاوروه الثلاثاء الفارط, وتقريعه لهم في لحظة من اللحظات منح المشهد العام الفرنسي والساخرين هناك أفكارا للتندر من رئيس يعتقد نفسه منتميا للعالم الثالث, ويتصور أن من حقه تأنيب الصحافيين بتلك الطريقة.
عندما نشاهد بعض أخبار عالمنا العربي,وتصرفات بعض حكامنا ونقارن بين الضفتين, نرثي حقا لحال رؤساء الغرب, ونقول "الديمقراطية والله يلا خايبة بزاف"...وذلك حتى يرضى من يتولون أمورنا بطبيعة الحال. فقط لاغير.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق