الأربعاء، 3 نونبر 2010

في مدح السيد الوالي

في مدح السيد الوالي
أدهش زميلنا حسن الحريري من القناة الأولى كل من شاهدوا تلك الدقائق القليلة من مباراة شباب الريف الحسيمي ضد الوداد البيضاوي, حين ترك التعليق على الأخداث المخجلة التي شهدها ملعب ميمون العرصي جانبا, واختار التركيز فقط على مدح السيد والي الجهة الذي "أمضى اليوم كله في الحسيمة إعدادا للقاء, والذي أفطر في الملعب, والذي استفاق باكرا لكي يهيء جيدا شروط المباراة".
ولنا فعلا أن نتخيل شكل ماكان سيقع في الملعب لو لم يمض "السيد الوالي" اليوم كله في الملعب, مادام اللقاء قد توقف وتحولت الحسيمة إلى ساحة حرب بين مشجعي الفريقين, وانتقلت الفوضى من الملعب إلى الشارع العام, وتوقفت المباراة, وكادت الأمور تتطور إلى مالاتحمد عقباه.
صديقنا حسن ليس الوحيد من مذيعي ومعلقي التلفزيون الذي ابتلي بهذه "البلية" السيئة, بل هو فقط واحد من الجموع التي يتم تسليم الميكروفونات لها دون وجه حق, فتشرع في تقديم "خدمات مشكوك في أمرها" لرجال السلطة ولأعيان المدن التي تتحول إليها طواقم التلفزة. وكم أشعر بالقرف حين يخبرني أصدقاء من مسؤولي الأمن بالدار البيضاء أنهم اتفقوا مع الكاميرامان والمخرج في الأولى أو الثانية أو الرياضية لكي يلتقطهم في "غرو بلان" أو مشهد مكبر مرتين أو ثلاثا خلال مباريات مركب محمد الخامس لكي يعرف مسؤولوهم أنهم يشتغلون, وأن التلفزيون يظهرهم وهم يقومون بعملهم, والكارثة أن المسألة تصح, وتجد أن المخرج يختار في لحظة من اللحظات إظهار واحد أو أكثر من رجال الأمن دون أي معنى للقطة اللهم التساؤل بانعدام براءة عن سببها الحقيقي.
الأمر ذاته يتذكره المشاهد المغربي في فيضان قديم بمدينة المحمدية (التي لاأعرف بالمناسبة لماذا يسمونها مدينة الزهور وهي تستقبل زوارها من المدخلين برائحة عفنة للغاية), حيث لم يكلف التلفزيون نفسه عناء نقل صور المنكوبين في ذلك الفيضان ولا الخسائر الجسيمة التي تكبدها سكان المدينة, ولا منظر المنازل التي تحطمت, ولا الأثاث الذي فقده أصحابه, ولكن حين قرر "سيادة العامل" القيام بتلك الزيارة التفقدية العادية التي يقوم بها المسؤولون للمدن المنكوبة, سارع التلفزيون إلى تتبع خطوات سيادته, ونقل صورته التي أصبحت أهم بكثير من صور المنكوبين من أهل تلك المدينة الذين حاصروا طاقم التلفزيون يومها, وكادوا يحولون النقل التلفزي لمخلفات الفيضان إلى شيء آخر.
لماذا؟ ما الذي يجعل أهلنا في التلفزيون, وضمنهم أناس قضوا في التلفزيون مايفوق العشرين سنة من العمل, أي أنهم أصبحوا محصنين مهنيا من السقوط في مثل هذه الكوارث المبكية, يسقطون بهذا الشكل الغبي في مثل هذه الترهات؟
لن نتهم أحدا, ولن نقول إن مسؤولين في مدن معينة وأناسا يشتغلون في أسلاك سلطة يحرصون على هذا الظهور, ويحرصون على أن يقول عنهم التلفزيون هذه الكلمة الطيبة "المجانية" حتى في عز أزمة متونرة مثل تلك التي عاشها ملعب ميمون العرصي يوم السبت الفارط, وتركها معلق التلفزيون جانبا, وتفرغ لكتابة قصيدة مدح رديئة للغاية في حق والي الجهة. لكننا لن نمنع أنفسنا من طرح سؤال هذه الرداءة, ومن التبئير عليها كلما استجدت. لا, بل إنني أعتبر أن الحريري فيما اقترفه يوم السبت الفارط يستحق عقوبة الهاكا التي أنزلت بريباك أكثر من عزيز المسكين الذي ارتكب جرما واحدا يوم "ربب" في التلفزيون هو أنه فقد أعصابه, أما صديقنا ومن على الشاكلة, فيفقدون أي مصداقية يمكن أن يمنحهم المشاهد إياها وهو يرى بأم عينيه على الشاشة "الحجر كيشير", ويسمع المذيع وهو يمدح والي الجهة لأنه أحسن تنظيم اللقاء.
وبالمناسبة مادامت الأشياء بأضدادها تعرف, أجد أنه من المناسب واللائق التنويه بالتجربة الجميلة جدا التي يخوضها "راديو مارس" في مجال النقل المباشرة للمباريات, وفي البرامج الحوارية التي يقدمها, حيث اختارت الإذاعة التي لايتجاوز عمرها السنتين طريقة اشتغال جريئة للغاية مكنتها من التحول إلى القناة الإذاعية الأولى في مجال نقل المباريات الخاصة بالدوري الوطني, مثلما استطاع أيمن بيروك وعادل وحميد أمين وحميد البرهمي وبقية طاقم الإذاعة أن يبصم لحد الآن على مسار ينوه به كل من نلتقيهم من المستمعين ونتصور أنه من اللازم تحيتهم عليه, لأن مثل هذه الخطوات الإيجابية تبدو لنا اليوم أكثر من ضرورية وسط مد الرداءة الراغب فقط في مدح السيد الوالي على شيء لم يقم به إطلاقا.
لإعلامنا السمعي البصري حكاية معقدة مع من يتوجه إليهمو هي أنه ينسى أن الزمن تغير وأن الجمهور لم يعد هو الجمهور, وأن من تعودوا على بعض العادات السيئة من الأزمنة القديمة عليهم الإقلاع عنها, أو "يخويو التيران" بكل اختصار.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
خسر المجلس الأعلى للقضاء فعلا بعدم انتخاب بعدم صعود أي امرأة إلى سلكه في قتراعه الأخير مايثبت أن لدى أصدقائنا القضاة حساسية تجاه المرأة عليهم فعلا التخلص منها لكي يؤكدوا أنهم استوعبوا التغيرات الكثيرة التي يعرفها المجتمع المغربي ، ولكي يفعلوا مضامين الخطاب الملكي الأخير الذي ركز على قيمة العدل في مجتمع مثل المغرب، وركز من قبل على قيمة تمثيلية المرأة في المؤسسات التي تمثل المغرب كله.
ومرة أخرى نقولها: خسر المجلس ولم تخسر المرأة المغربية، كل مافي الأمر أنها معركة مؤجلة إلى حين تثبت أن الذكوية هي مرض مس كل الهيئات والأسلاك وقد حان الوقت ربما لكي تكون للكوطا كلمتها الفصل ريثما ينضج بعض الرجال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق