السبت، 22 يناير 2011

"تجمعاتنا" المغربية

وسط كل ضجيج الرأس المسمى ماوقع في تونس هذه الأيام, راقني فعلا موقف الأحزاب المغربية من ثورة الياسمين. أعجبني وأعجب المواطنين المغاربة قاطبة (قديمة هاد قاطبة, من يامات الإعدادي ومصطفى العلوي) أن يروا أحزابهم الوطنية تعبر عن تضامنها مع الشعب التونسي, وعن احترامها لإرادة هذا الشعب في التحرر وفي الوصول إلى تحقيق أهدافه في التقدم والرفعة والازدهار.
حقيقة تساءلنا جميعا : أين كانت هذه الأحزاب أيام بن علي؟ لكنا لن نقسو كثيرا على أحزابنا هذه المرة, خصوصا وقد رأينا أن الانقلاب مائة وثمانين درجة قد مس الكل داخل تونس أولا وخارجها مايعني أنه وباء عام تعاني منه البشرية جمعاء ويسمى النفاق, ويحمل بلغة المغاربة الجميلة والعميقة شعار "الله ينصر من أصبح والسلام". لكننا في الوقت ذاته نجد صعوبة كبرى في عدم التوقف عند مواقف هذه الأحزاب لمساءلتها قليلا ولو على سبيل المزاح معها مادمنا مقتنعين بأن أحزابنا في نهاية المطاف قد تصلح لأي شيء إلا لممارسة السياسة أو تأطير الناس أو دفعهم يوما للإيمان بجدوى هذا الفعل الاجتماعي الخطير المسمى سياسة.
أفضل من أعجبني موقفهم هو حزب التجديد والإنصاف. نعم, هناك حزب في المغرب يسمى "التجديد والإنصاف", مالكم؟ وهو حزب يرأسه أو يتزعمه إنسان يسمى أشهبارو وهو يشارك في الانتخابات, ويسهم من حيث يعرف ومن حيث لايعرف أيضا في دمقرطة الحياة السياسية الوطنية. الحزب عبر عن تضامنه مع "التوانسة مساكن", بل وعبر عن تفهمه لمطالبهم التي وصفها بالعادلة والمشروعة. "مزيان", ولكن ينبغي فعلا أن يشرح لنا هذا الحزب الذي لانعرف إن كان حقيقة أم إشاعة لماذا لم تظهر له هذه المطالب المشروعة والعادلة إلى اليوم.
الأصالة والمعاصرة, الحزب القوي, أو الوافد الجديد, أو الحزب الأغلبي, وقس على ذلك ماتشاء من تسميات صحفنا عبر عن تضامنه هو الآخر مع تونس وشعبها, والتقدم والاشتراكية أو "حزب نبيل" للراغبين في الاختصار قلده في المنحى ذاته, وإن كان المغاربة يعتبرون أن الأحق بالتضامن هو هذا الحزب بالتحديد الذي لم نعد نعرف لفرط التحولات التي وقعت فيه أين يوجد بالتحديد, هو الذي يتوفر على وزراء في الحكومة, وعلى أمين عام غاضب يدق ناقوس الخطر في كل مكان, وعلى نائبة برلمانية خرجت على الناس بقنبلة قبل أن تطفئ كل كلامها وتمصت.
حزب الاتحاد الاشتراكي لم يصدر بلاغا بخصوص تونس, لكن مناضليه غنوا الشعار الوطني التونسي في مؤتمرهم الوطنيو وصعدوا إلى منصة الرئاسة, وكادوا يفترسون القيادة التي ترددت طويلا في مساندتهم في مطلبهم بإصدار بلاغ في الموضوعز ولاأعرف علاقة "إذا الشعب يوما أراد الحياد" بما يجري داخل هذا الحزب الذي كان عتيدا في يوم من الأيام, لكنني أتصور ومعي "ّطرف كبير" من المغاربة أن على شعب الاتحاد أن يتأمل جيدا في البيت الشعري قبل أن يردده, فربما يسوقه التأمل العميق في البيت إلى خطوات عملية أفضل من الغناء, والأمر متروك في الختام للإرادة الاتحادية لا لغيرها.
حزب وزيرنا الأول عباس الفاسي لم يصدر أي شيء في الموضوعو علما أن عباس هو أعرفنا جميعا بتونس . فقد كان سفير المملكة فيهاو أي أنه كان القناة التي كانت توصل للنظام هناك كل احترامنا وتقديرنا للعلاقات الثنائية, مايعني أننا كنا ننتظر _ لو كان لدينا تلفزيون حقيقي _ أن يكون أول ضيف يتحدث عن الحالة التونسية وعن ثورة الياسمين في تلفزيوننا هو الوزير الأول المغربي باعتبار خبرته بالبلد, وباعتباره واحدا من كبار الحاصلين على وسام رفيع للغاية من الرئيس السابق زين العابدين بن علي.
عكس ذلك لم نسمع من الحزب الحاكم (نعم مجددا, الاستقلال هو الحزب الحاكم في بلدنا, لاداعي للضحك), أي كلمة في الموضوع, باستثناء افتتاحية قرأناها في العتيدة "العلم" حملت من العناوين عنوانا ضخما للغاية هو "لن يغمض لنا جفن". وأعترف لكم بكل صدق هنا أنني أمضيت اليوم كله أضحك كلما تذكرت هذه الافتتاحية التي قال فيها مقترفها في السطر الأخير إن "حزب سدي علال لن يغمض له جفن حتى تتحقق كل رغبات الشعب التونسي من ثورته".
"دابا, غير بيناتنا, آش جاب هادو لثورة تونس؟" وأي جفن هذا الذي سيغمض لهم؟ ومتى كانت جفونهم مفتوحة أصلا وهم مسؤولون في البلد عن فضيحة كبرى إسمها "النجاة" لازلنا إلى اليوم لانعرف في رقبة من سنضع أوزارها وذنوبها في نهاية المطاف؟
صديق عاطل من حملة الشهادات من أولئك الذيم يحاولون باستمرار تسلق المقر العام لحزب الاستقلال لتذكير عباس بوجودهم في البلد قال لي فور انتهائه من قراءة تلك الافتتاحية إنه قرر النزول عند رغبة والدته والهجرة إلى ليبيا عند شقيق له, وهي فرصة ظل يتردد في قبولها كثيرا لإيمانه أن يوما سيأتي وستتذكره حكومة عباس. لكن وبعد أن قرأ مانيفستو "لن يغمض لنا جفن" اتخذ قراره, وقال لي بالحرف "هادو واللهيلا مقصرين بينا فهاد البلاد, نمشيو ندبرو على راسنا فقنت آخر".
طريقة أخرى لإحراق النفس, دون إشعال النار إلا في قلب المقربين الذين سيحسون بالغياب. دامت لنا هذه المصائب المسماة أحزابنا.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قال هوبير فيدرين وزير خارجية فرنسا الأسبق إن بلدان المغرب العربي لاتطلب رأي فرنسا في تغييراتها الكبرى ساردا مثال تونس الأخير, ومثال الراحل الحسن الثاني حين قرر إدخال المعارضة إلى الحكومة في تجربة التناوب, ومثال الجزائر يوم قررت وقف المسلسل الانتخابي بها بعد اكتساح الجبهة الإسلامية للإنقاذ لنتائج الانتخابات.
فيدرين الذي كان يتحدث في "لكم الحكم" على شاشة "فرانس 2" نسي أن بلداننا استأذنت طويلا من مستعمرها السابق, وأن الوقت ربما قد حان لكي تبحث شعوبنا ودولنا عن أصدقاء آخرين ينصتون لأصواتنا بشكل آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق