الخميس، 20 يناير 2011

فاميلة الطابلسي

للإسم رنين خاص هذه الأيام. عائلة الطرابلسي، وله كل البريق المحزن الذي يشع من ثنايا الشماتة التي يقابل بها من طرف الشعب التونسي الذي كان سابقا يرمق حسدا وشزرا وغيظا العائلة الصغيرة لزوجة بن علي وهي تراكم كل شيء من الثروات إلى الثروات، وتضعها في مخبآ آمين في انتظار يوم الحسم الذي أتى والتي أصبحت اليوم تتصدر عناوين النشرات الإخبارية للإشارة إليها, وربتها تحمل معها طنا ونصف من الذهب هنا, أو شقيقها الأصغر وهو يحمل يختا مسروقا هناك, قبل أن يلفظ آنفاسه على يد شباب عاطلين حاصروه هو هارب فقرروا تصفيته وليكن بعدها مايكون..
هل تراجع العائلات العربية الكبرى التي تستحوذ على كل شيء هذا الدرس؟ سيقول القائل إنه من الظلم أن نضع كل العائلات الغنية في نفس السلة، وأنا متفق تماما. هناك عائلات غنية جدا أنجبت مناضلين حقيقيين للوطن وهذه العائلات غالبا ماتكون نتاج ثروة مشروعة، أي توارثتها جيلا بعد جيل، أو صنعها أحد العصاميين منها بجهده وكده وذكائه، وهذه العائلات لانتحدث عنها إطلاقا.
نتحدث هنا عن عائلة مثل عائلة الطرابلسي ربها الأكبر (والد ليلى بن علي) كان بائع خضار، وليس في الأمر أدنى عيب، لكن ابنته التي امتهنت الحلاق فيما بعد أصبحت بالفعل "حجامة كتحسن باللي كاين" إلى الدرجة التي جعلتها تخلط بين ثروة الشعب التونسي العامة، وبين مصروف الجيب الشخص الذي كان من المفترض في بن علي أن يتركه لها على "الكومودينو" وهو يتوجه يوميا إلى قصر الرئاسة في قرطاج لكي يحكم الشعب من هناك.
هنا يقبع المشكل بالتحديد، حين يقع هذا الخلط وتتحول عائلة فقيرة أهدتها صدفة الحياة فرصة الاقتراب من السلطة إلى إمبراطورية مالية في بلد لايحتمل أن يكون فيه آباطرة ماليون إطلاقا. هنا يغني فويتح المغربي ويبكي ويقول ماأشبه حالةآل الطرابلسي بحال الأسر الكثيرة التي نعرفها نحن أيضا، ونعرف التسلق الذي بنته اعتمادا على وضع مائل وعلى مد اليد إلى مال الشعب العام، حتى تحولت إلى طبقة لايمكن أن تصفها بأي وصف إذا ماأردت الدقة، وشئت عدم السقوط في الكذب وتزوير الحقيقة على الناس.
لنتأمل لائحة بعض الحكام العرب، ولنلعب لعبة صغيرة للغاية قوامها التأمل في حالهم قبل السلطة وحالهم بعد النوم فيها لسنوات: العقيد معمر القذافي كان يفترض فيه لو بقي عقيدا في الجيش أن يتقاضى الآن شهريا مالايتجاوز العشرة آلاف درهم مغربية نظير تقاعده من الجيش الليبي. "ماتشريلوش دابا حتى وحدة من دوك العساسات اللي دايرين بيه". الريس المصري حسني مبارك كان يفترض فيه الآن لو أطال الله في عمره وتقاعد طيارا من الجيش المصري أن يتقاضى قرابة الثمانمائة جنيه يشتري بها لعلاء وجمال وبقية العيال, قليلا من الفول المدمس وينام. الرئيس بوتفليقة كان يفترض فيه أن يكون مسجلا الآن في تقاعد العاطلين في الجارة الجزائر، يتقاَضى "لشوماج" و يمضي اليوم كله في صيد السمك في بحر الجزائر العاصمة أو في التجول راجلا في باب الواد والنواحي. الرئيس اليمني علي عبد الله صالح كان يفترض فيه لو بقي على ماهو عليه أن يكون تماما مثلما هو الآن, رجلا غير قابل للفهم إطلاقا "ماكتعرفوش شنو كيدير" ، وسيكون بالتآكيد مدمنا على العادة اليمنية الجميلة بمضغ القات ووضعه في الجانب الأيمن أو الأيسر من الفم وانتظار انصرام النهار. رئيس السودان عمر حسن البشير كان الآن من المفترض فيه أن يعيش في الخرطوم يؤم بالناس, أو في أسوء الحالات يراقب لهم المسجد الذي يصلون فيه عوض أن يمضي الوقت في قبول كل الشروط الدولية لتقسيم السودان نظير عدم تقديمه للمحكمة الدولية.
جلهم إذن كانوا سيكونون في حال غير الحال, لكن من ياترى سمح لهم بهذه القفزة الاجتماعية النوعية على حسابنا جميعا؟ الشعوب بطبيعة الحال التي تكتفي بلعنهم والتفرج. والمصريون _ هؤلاء القوم اللطفاء للغاية الذين يبدعون باستمرار النكت التي تتندر من حالهم _ يقولون عن "فرعون إيه اللي فرعنو؟" ويردون على لسانه "مالقيتش حد يلمني". وهذه حقا هي صفوة القول وخلاصته, فلو أن شعب تونس الماجد سأل يوما ليلى الطرابلسي وعائلتها "من أين لكم كل هذا أيها العفاريت؟" لما أزلنا عن الياسمين كل استعمالاته الجميلة وجعلناه إسما لهبة شعبية أودت بحياة مالايقل عن سبعين شخصا في واحد وعشرين يوما.
سنضطر مجددا للقول إنها ليست العائلة الوحيدة في العالم العربي التي نسمح لها بالاغتناء على حساب فقرنا بسبب جبننا, ولن تكون الأخيرة بكل تأكيد. هي فقط رقم إضافي يؤكد لنا مانقوله باستمرار عنا كعرب أننا لانتقن سب من يحكموننا إلا بعد أن يرحلوا, وحينها فقط نكتشف كم كانوا فاسدين ومرتشين ولصوصا ومفسدين.
ماأكثر نفاقنا حول عائلة الطرابلسي, وحول عائلات أخرى كثيرة غيرها بكل تأكيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
قال الشيخ بيد الله للتلفزيون المغربي إن أشغال مجلس المستشارين انتهت في جو يسوده الاحترام, ولا أدري لماذا اختار بيد الله هذه الكلمة بالتحديد, لأنها فعلا النقيض لما رأيناه في هذه الغرفة بالتحديد كل ثلاثاء, وماتابعناه بعدها في الصحف المحسوبة على الحكومة, خصوصا صحيفة الحزب الحاكم بخصوص هذا المجلس يقول العكس تماما, ويؤكد أن ماساد هو عدم احترام السادة المستشارين لبعضهم البعض بشكل يدفع للرثاء حقا.
لماذا اختار رئيس الغرفة الثانية لفظة الاحترام إذن؟ ربما لأنه يشعر أنها فعلا الخصلة التي تلزم مجلسه بشكل كبير. ربما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق