الثلاثاء، 25 يناير 2011

الرداءة ومواهبها

لحد الآن هم ثلاثة أبهروا العالم العربي بموهبتهم, وجعلوا من برنامج "العرب لديهم مواهب" على شاشة "إم بي سي فرصة لكي يتفرج الكل على مايختزنونه بدواخلهم من إمكانيات فنية, كل في مجاله. أحدهم من فاس, الثاني من البيضاء, الثالثة من طنجة وقس على ذلك ماتريد من المدن المغربية الأخرى. والثلاثي التحكيمي في البرنامج المكون من نجوى كرم وعمر أديب وعلي لايكفون كل حلقة عن التعبير عن اندهاشهم بالمواهب المغربية التي سافرت إلى دبي لكي تصور هناك كل تألقها, وكل القدرات الفائقة التي تتوفر عليها والتي يلزمها من أجل الظهور فقذ تلفزيون يعرف كيف ينقب على المواهب فعلا, لا "بالتخلويض" فقط.
ونحن نشاهد البرنامج العربي المتميز, نجد أنفسنا ملزمين بالتساؤل إن كنا في يوم من الأيام سنتوفر في هذا البلد على تلفزيون قادر على أن يفعل ماتفعله "الإم بي سي" وغيرها من التلفزيونات العربية, بإتقان, بتميز, بحرفية, وبرغبة فقط في تقديم منتوج تلفزي في المستوى يشاهده الناس وينتظرونه كل جمعة من أجل التعرف على المواهب الأخرى القادمةو ومن أجل متابعة تميز المواهب الثانية التي مرت في الحلقات السابقة.
نكاد نجد الجواب: لايمكن ببرامج مثل "كوميديا" أو "ستوديو دوزيم" بالطريقة التي تنجز بها أن تعثر إلا على السراب. لذلك لا استغراب إطلاقا إن كنا نعيش مع شبابنا ممن يمرون في هذه البرامج استفاتهم كل سنة على وهم يقول لهم إنهم كانوا فقط طريقة من أجل اغتناء بعض الأشخاص, لا أقل ولا أكثر. وأن الكلام الكبير الذي يقال لهم عن البحث عن المواهب المغربية والتنقيب عنها, هو مجرد كلام من أجل إتمام "الضوسيه" الذي يرفع إلى إدارات التلفزيون من أجل الفوز بالتوقيع الشهير الذي يمهر به "مول الشي" موافقته على مرور "قدا وقدا ديال الفلوس" إلى الطرف الفلاني.
شيء آخر لايوجد. وقد أتاحت لي الصدفة الجميلة يوما أن أسجل مع عبد النبي الجيراري رائدنا المغربي الجميل في البحث عن المواهب سلسلة شهر رمضان ل"الأحداث المغربية", وحين كان الجيراري يحكي لي كيف كان يحمل معه المواهب المتميزة إلى منزله لكي تقضي الليل هناك رفقة عائلته وعائلتها, وكيف كان يصرف من ماله الخاص على رعاية برنامجه الذي كان يحمل نفس الإسم, كنت أقارن الحال بالحال وأقول "مستحيل".
مستحيل أن تكون قادما إلى مجال الفكاهة من العدم وأن تعطي لنفسك وقاحة التنقيط للناس, واختيار من سيكون "بزيز الغد" في المغرب. مستحيل أن يكون كل رصيدك الغنائي هو أغنية ملحنة بطريقة رديئة, وأن تأتي إلى ستوديو دوزيم لكي تقول لشاب أو شابة في بداية الطريق "مابيكش, ولكن خصك تبذل مجهود". مستحيل أن تكون كل مواهبك في المجال الذي تسلطت عليه هو أنك "عرفتي منين تدوز للشاف", وأن تقنع شعبا بأكمله يشاهدك على التلفزيون أنك فعلا قادر على إصدار حكم بخصوص موهبة هذا أو تطفل ذاك. مستحيل أن يكون كل مايحركك منذ أن تستفيق في الصباح وحتى تأوي إلى فراشك في المساء هو الجواب عن سؤال "كيفاش ندبر على راسي مزيان؟" وأن تقول في الوقت ذاته إن همك هو البحث عن المواهب الشابة ومساعدتها على الوصول إلى الجمهور العريض.
"مايمكنش, وماراكباش", لذلك لانستغرب حين يحقق برنامج "العرب لديهم مواهب" نسبة مشاهدة خرافية ويحظى بمتابعة الناس وتقدير الصحافة العربية كلها لحلقاته, وأن تعرف برامجنا الفشل الذريع الذي لايمنع من إعادة منحها المواسم تلو المواسم إلى أن ينقرض الناس من البلد ولا تنقرض الرداءة لأنها الشيء الوحيد الذي نعتبر مطمئنين أنه لم ينقصنا في يوم من الأيام.
لنطرح على هؤلاء العباقرة السؤال مجردا وملموسا : شحال من موهبة حقيقية اكتشفتوها لينا؟ لن يستطيعوا الرد, نحن متأكدون من ذلك. سيرددون أمامنا أسماء لشباب ألقوا بهم في ساحة العمل الفني دون أن يمتلكوا الاستحقاق لذلك, سيعيدون على مسامعنا نكتا سخفية وسمجة كان شعبنا يرددها في السبعينيات من القرن الماضي, وسيقولون عنها إنها لوحات ساخرة من إبداع هؤلاء الشباب, أو سيفتتحن مهرجانات غنائيا بصوت نشاز كلفوه بأن يحفظ أغنية قديمة لكي يقلدها, وسيكتفون.
لن يجدوا كلاما يقولونه لكل الذين يهربون إلى الأجانب ليجدوا لديهم السند الحقيقي, والمواكبة الفعلية, والرغبة في اكتشاف المواهب بطريقة تلفزيونية فنية حقيقية, ثم الربح المادي بعدها. إذ لا أحد يطلب من هؤلاء أن يشتغلوا مجانا أو أن يخسروا. مانطلبه منهم هو أن يتركوا هامشا حقيقيا لبعض الأصلاء ممن يستطيعون أن يقدموا شيئا لو أننا أنصتنا لهم, ولو أتحنا أمامهم فرص تألق حقيقية تكشف لنا عن مواهبهم الكثيرة.
فقط لو أن المتطفلين "يمشيو يضربو دورة" وسترون بكم يحبل البلد من المتميزين. لكن سنة الله في خلقه تقول إن ممتهني الرداءة لايرحلون أبداز تلك هي الخلاصة, وذلك هو المختصر المفيد.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مشهد إنساني جميل عشته الأحد الفارط في عين الذياب قرابة الرابعة زوالا. وقفت بسيارتي في الضوء الأحمر. التفت جهة اليسار, وجدت سيارة ميرسيديس رمادية يسوقها جلالة الملك شخصيا, وقربه يجلس فؤاد عالي الهمة وهو يتحدث في الهاتف. كان جلالته متوقفا بشكل عادي في إشارة الضوء الأحمر, وسيارتان تتبعانه متوقفتان بدورهما.
العابرون وأصحاب السيارات الذين انتبهوا لمرور جلالته كان نصيبهم تحية يد من ملك البلاد. تشتعل الإشارة الخضراء, تمضي السيارة لحال سبيلها, ويحتفظ من عبروا المكان بذكرى لقاء عابر وجميل يقول الشيء الكثير عن حال البلد.
حمى الله هذه الأرض لأمنها وأمانها. "هادا ماكان".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق