الأحد، 16 يناير 2011

عندما يهرب الرئيس

يمضي الحاكم العربي الزمن كله في الكذب علينا قائلا إنه مستعد للتضحية من أجل الوطن, وحين يشتم رائحة الحريق تقترب من ثيابه يمتطي المروحيات, ويعتلي الطائرة الخاصة ويمضي. نكاد نرغب في سؤاله "لمن تترك الوطن ياريس؟" لكننا لانعثر له على أثر. يوم الجمعة الفارطة أهدتنا اللحظة العربية الحزينة تاريخا جديدا يحمل من الأسماء إسم هروب بن علي من تونس, وتكريس الفكرة التي تقول إن أغلب الحكام العرب لا يشعرون بأي شعور تجاه أوطانهم, لذلك تجدهم مستعدين للفرار إذا ما أحسوا أن الشعوب قد قررت مبادلتهم "الحب بحب أكبر منه". فيما عدا ذلك لاشيء.
البعض تحدث عن الثورة والتاريخ الذي تكتبه الشعوب بدمائها, لكن هذا البعض نسي أننا بقينا أسرى هذا الكلام الخشبي منذ الاستعمار ومرورا بالاستقلال وحتى سنوات الالتباس الكامل هاته. وعندما كنت أتابع عبر قناة "الجزيرة" القطرية فرح القناة بانتصار إرادة الشعب التونسي على الديكتاتورية, كنت أتساءل عن الثورة القطرية متى قامت, ومن قادها وهل انتصر فيها الشعب فعلا على الديكتاتورية هناك؟
لا أخلط الأوراق, ولا أحب هذا الأمر كثيرا لكننا مجبرون اليوم أكثر من أي وقت مضى على أن نحتفظ في المغرب بتميزنا عن هذا العالم العربي المريض, وأن نحاول قدر الإمكان الاستفادة من الدروس التي يمنحنا إياها باستمرار, وأن نفهم لوحدنا دون يد أجنبية, ودون فرض من أي جهة ما أننا ملزمون بدمقرطة بلادنا أكثر فأكثر, وأن الوقت تغير تماما, وأن الزمن يفترض أن نبحث عن نموذج مشرق عوض البقاء حبيسي هذه النماذج العربية المعتلة التي تحيط بنا من كل مكان.
لماذا نقول نماذج مريضة؟ ولماذا نقول إننا ملزمون بالحفاظ على تميزنا وسطها؟ لأننا نعرف جيدا أن ماوقع الجمعة في تونس مرشح لكي يقع في كل الدول العربية الأخرى, وبشكل أبشع من ذلك الذي وقع به في تونس, مايعني أن المرض مستشر في الجسد العربي كله, ولأننا نعرف أن بإمكاننا في المغرب أن نشكل استثناء وسط هذا الطوفان الجديد الذي يراد له أن يغرق المنطقة كلها فيما أسمته كوندوليزا رايس منذ زمن سابق "الفوضى الخلاقة".
علينا أن نطرح الأسئلة الحقيقية لما وقع في تونس, وأن نفهم لماذا لم يتحرك الجيش لمساندة الرئيس المخلوع أو الهارب, وأن نستوعب متى تقرر لبن علي أن يكتفي من السلطة التي يعبدها, وأن نربط ذلك بما سيقع في دول عربية أخرى تنتظر دورها على طاولة التشريح للبحث عن حل لجثثها المتحللة ومايمكن عمله من أجلها. علينا أن نفهم الفزاعة الإسلاموية, وهل هي خطر حقيقي يهدد هذه المجتمعات أم أنها مجرد عبارد لبث الرعب في نفوس الناس أو لتبرير بقاء حكام بأعينهم في أمكنتهم.
علينا التمييز بين من يدقون ناقوس الخطر القادم على أيدي هذا التطرف الحقيقي والمرعب للوطن العربي كله, وبين الحكام الذين يستعملون هذا الخطر فزاعة لإدامة تاريخ حكمهم لبلدانهم بكل الديكتاتورية الممكنة. علينا أن نجد طريقة للإنصات للأجيال الجديدة من شعبنا, للشباب الذين يبدون غير قادرين على فهم هذا التناقض الكبير بين العالم مثلما يرونه في كل "الهاي_ تيك" أو التيكنولوجيا المتقدمة المحيطة بهم, وبين العتاقة البليدة التي تحكم دولهم, وتتحكم في مصائرهم دونما أمل في أن تتغير الأشياء بشكل سلمي وهادئ في يوم من الأيام.
نعترف أننا عشنا صدمة جديدة كبرى يوم الجمعة الفارطة, وأن العديدين كانوا يتوقعون عدم سقوط بنعلي بهذه السرعة, وأن وجوها كثيرة تراءت لنا في تلك اللحظات العصيبة. رأينا مبارك وهو يحاول ترك مصر لواحد من أبنائه بعد ثلاثين سنة من الحكم أو يزيد. رأينا القدافي يفاضل بين سيف الإسلام وبين الساعدي لكي يمنحه الجماهيرية من بعده. رأينا بشار الأسد الذي ترك والده الجمهورية السورية إرثا غير مفهوم له. رأينا علي عبد الله صالح وهو يجد صعوبة في الاقتناع بأن من حق اليمن أن يعيش بعده عهدا يشفع له في حمل وصفه "السعيد" المثير لكثير من السخرية. رأينا الدويلات الخليجية الصغيرة جدا والغنية نفطا حد السفه التي لاتعرف إن كانت تنتمي إلى عصر الناس هذا أم إلى عصور أخرى. رأينا بوتفليقة مريضا يجر وهنه خلفه, ويبحث بين أشقائه عمن يستطيع الإنصات للعسكر أكثر. ورأينا الكثير.
وبين كل هذا الكثير, رأينا المغرب علامة على شيء آخر ممكن. لدينا مشاكلنا الكثيرة التي تشبه مشاكل دول عربية ثانية, ولدينا لصوص مالنا العام, ولدينا من استفادوا من وضعيات معينة طيلة عقود, ولدينا متنفذون لايعرفون أن هناك شيئا إسمه الشعب على الإطلاق. لكن مع كل هذا لدينا الإيمان بأننا قادرون على تقديم نموذج آخر مغاير يستوعب الدروس التي تقع الآن, ولا يكررها بغباء,لأننا بكل بساطة لسنا أغبياء.
نتمنى أن لا نكون واهمين. وأن نستفيد فعلا من كل هذه الفرجة المحزنة التي تحيط بنا من كل مكان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
أن يصف عبد الإله بنكيران إلياس العماري ب"السلكوط اللي كالس كيتسارا فالمغرب", فمسألة تقول لنا إننا قد قطعنا على يد أمين عام حزب "العدالة والتنمية" شوطا إضافيا في مسلسل تمييع العمل السياسي المغربي, وتنفير الناس منه. في الفيديو الذي يجوب اليوتوب حاليا يبدو بنكيران عاجزا عن كبح جماح غضبه, ويظهر غير قادر إلا على ترديد كلمات من قاموس الشارع. ومع كل التفهم الذي قد نبديه لوصول الخلاف بين سياسيين إلى مراحله القصوى إلا أنه من الصعب علينا أن نفهم "سياسة التسلكيط" هاته التي يراد لنا أن نعيش عصرها الحالي.
عبد الإله حسن ألفاظك شوية, مافيها باس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق