الأربعاء، 26 يناير 2011

جزيرتنا المستقلبية

من يريد أن يعرف لصالح من تلعب قناة الجزيرة فعلا, عليه أن يشاهدها هذه الأيام وهي تعلن منتصرة تقديمها لما أسمته "كشف المستور" من خلال تقديم الوثائق السرية للمفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. لاأحد يمكن أن يجادل في السبق الصحفي الذي حققته القناة من خلال توصلها لهذه الوثائق السرية, لكن في الوقت ذاته لاأحد يمكنه التشكيك في المسار الذي أخذت القناة الوثائق إليه, وحاولت من خلاله توجيه الرأي العام العربي في اتجاه تأليبه ضد منظمة التحرير الفلسطينية وبالتحديد ضد فتح.
سنقول في أول الأمر إن الجزيرة تلعب لعبة "حماس" والتنظيمات المتطرفة في الأرض المحتلة, لكن المسألة ستأخذ طابعا تبسيطيا للغاية لن يسمح لنا بفهم اللعبة جيدا. عكس ذلك وإذا ماشئنا توخي المزيد من الدقة لفهم اللعبة في مجملها, علينا أن نفهم لماذا لم تبث الجزيرة الوثائق السرية التي وصلتها منذ وقت سابق حتى الآن أي بعد انتهاء الياسمين وثورته, وكيف تحولت القناة أولا إلى قناة تونسية احتلت الفراغ الإعلامي الذي خلفه رحيل بن علي, وبعدما انتهت توابل تونس من إثارة لذة المشاهدين فقط, انتبهت الجزيرة إلى أن لديها وثائق سرية للغاية عن المفاوضات بين الإسرايليين والفلسطينيين عليها أن تقدمها لجمهورها المتعطش لهذا النوع من الأخبار.
لايمكن كذلك أن نقرأ وثائق الجزيرة بمعزل عن وثائق ويكيليكس التي أثارت الجدل في العالم أجمع. الكل لازال غير قادر على تقديم تفسير مقبول لوثائق ويكيليكس التي وجدت الطريق سالكا نحو كل وسائل الإعلام العالمية, دون أن نفهم كيف ولماذا ومتى وأين وممن, إلى آخر أسئلة كثيرة لم نعثر لها على جواب يشفي غليلنا بخصوص البرقيات الديبلوماسية الأمريكية التي تهم دولا بعينها, والتي وجدت السبيل للوصول إلى كل من يرغب في الاطلاع عليها.
وعندما كان صائب عريقات يحاول جاهدا يوم الحد الفارط أن يظهر للقناة القطرية أوجه التناقض والكذب فيما تبثه من وثائق في العالم العربي, كان كل مذيعي القناة, وكل محلليها وكل المنتمين إليها أو المتعاطفين معها من الحاضرين في البلاتو, أو المتصلين هاتفيا يقولون "لايهمنا ماسيقوله صائب الآن. مايهم هي المعلومات التي تكشف عنها هذه الوثائق, حتى وإن كانت تجد التكذيب من طرف أطراف لها علاقة مباشرة بهذه المفاوضات".
أيضا عندما قال محمود عباس أبو مازن إنه "لايفهم كيف نشرت الجزيرة هذه الوثائق ولا لصالح من تقوم بنشرها", كانت الجزيرة ترد بالقول إنها تقدم خدمة إعلامية مهمة للقضية الفلسطيني لا أقل ولا أكثر, علما أن ماقدمته الجزيرة يتجاوز بكثير الخدمة الإعلامية لكي يتحول إلى عمل سياسي ممنهج تريد به القناة أن تحرك منطقة ضد تيار سياسي لفائدة تيار سياسي آخر, ولك هذا وفق أجندة عالمية واضحة, قررت على مايبدو خلخلة الأوضاع كلها في العالم العربي, وإعادة وضع بيادق اللعبة في رقعة الشطرنج وفق ترتيب آخر يلائم ما تريده القوى العالمية لهذه الرقعة الجغرافية هنا والآن.
المثير في كل هذا هو أن الجزيرة التي تأخرت في بث الوثائق حتى أعدت السيناريو اللازم لها من أجل أن تقدمها للمتفرج العربي بالشكل الذي يلائمها, عمدت إلى إنجاز مجموعة كبرى من "الميكروطروطوارات" أو أخذ التصريحات من الشارع الفلسطيني سواء داخل الأرض المحتلة أو في الشتات. والأسئلة كلها كانت موجهة للرد على سؤال " هل تقبلون بتنازل المفاوض الفلسطيني عن أرض فلسطين؟". الجواب كان واضحا بالتأكيد, وحتى نحن الذين نوجد في المغرب بعيدين عن فلسطين, ولا تتعدى علاقتنا بها علاقة التضامن الإنساني البعيد, كنا سنجيب بنفس الجواب "لانرضى بهذا التنازل". لكن من كانوا يجيبون على هذا السؤال لا يتلقون المعلومات الكافية عن هذا التنازل المزعوم, ولا تكلف القناة نفسها عناء شر الحقيقة لهم, بل تكتفي بتقديم رؤوس أقلام لهم عن وثائق سرية تثبت أن المفاوض الفلسطيني قرر التنازل عن فلسطين لصالح إسرائيل مقابل الإبقاء على السلطة الوطنية الفلسطينية في شكلها الحالي.
نأتي الآن إلى السؤال الأهم: لصالح من تتم هذه اللعبة الآن؟
"حماس" بالتأكيد, لكن وراء "حماس" التي تبدو طرفا صغيرا للغاية في المعادلة كلها, لصالح الترتيبات القادمة في المنطقة العربية. والآن فقط مع هذه الوثائق ومع الدور الذي لعبته الجزيرة في تونس والتغيير الذي تم فيها, شرعنا شيئا فشيئا في اسيتيعاب السبب الذي جعل دولة مثل قطر لاعلاقة لها بحرية الصحافة أو التعبير تطلق قناة تبدو جريئة في خطابها مثل الجزيرة. والآن أيضا نفهم الكثير من المتوازيات التي لاتلتقي إلا بصعوبة كبرى من خلال مايتم تدبيره للمكان العربي كله اليوم.
علينا فعلا أن نحسن الفرجة التلفزيونية التي تمنحنا إياها هذه القناة اليوم, ففي ثنايا خطابها الإعلامي الملتبس يوجد شكلنا المستقبلي مثلما تريده لنا الدول الكبرى المتحكمة في مصائرنا. فقط علينا أن نحسن التفرج, وأن لانخطئ زوايا الالتقاط على اختلافها, وتنوع مختلف المتخلين فيها.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
هل هناك بلد عاقل في العالم يوقف الدوري الوطني الرسمي لكي يلعب عوضه دوريا مشوها يحمل إسم "دوري الأمل"؟ في العالم بأسره لاوجود لهذا الجنون, لكن في المغرب من السهل أن يقع ذلك وأن نتخيل حدوثه, وأن نتوقع في يوم من الأيام أن تقرر جامعة الكرة توقيف الدوري الوطني شهرا كاملا وزيادة لكي تلعب بالفرق لعبة لاأحد يفقه معناها على الإطلاق.
وفي الختام يتساءلون : لماذا تدهورت كرة القدم وحالها في المغرب؟ لأن هناك جامعة يسيرها رجل يسمى غيبي, يفعل بها مايشاء, ويرتكب فيها كل أنواع الكبائر, ولا أحد يلتفت إليه أو يقول له "آش كتدير أهيا؟".
واصلوا, وفقكم الله للمزيد من الفشل الذي تعودتموه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق