الثلاثاء، 18 يناير 2011

الميريكان وإرادة الحياة

إذا الشعب يوما أراد الحياة, فلابد أن تتدخل أمريكا لكي تدعم مطالبه, وتصدر تعليماتها لتباعها داخل دولة ذلك الشعب لكي ينفذوا بالحرف الخطة البديلة, تلك التي تجعل الحاكم الصديق والحليف بالأمس, مجرد طاغية مل منه شعبه, وقرر أن يزيلة بضربة ثورة ستسميها الجرائد لتزيينها أكثر ثورة الياسمين.
يجد المتتبع المحايد صعوبة كبرى منذ الجمعة في التقاط التفاصيل كلها التي صنعت الحدث التونسي الكبير, ويجد صعوبة في ترديد الكلام الذي يقوله الكل أو الجل مثل الببغاوات عن تحرك شعبي أتى نتيجة إشعال شاب عاطل عن العمل وانتهى بانتصار الشعب على الطاغية. الأمر مثلما تقول اللازمة الفرنسية "أجمل من أن يصدق بهذه السهولة". ويوم السبت الفارط تورطت قناة "الجزيرة" في استضافة ضيف يبدو أنها لم تحسن اختياره مثلما تفعل عادة مع ضيوفها الذين يرددون الكلام المطلوب منهم فقط أن يقولوه على شاشتها, حيث اتصلت هاتفيا بضابط في الحرس الوطني التونسي قال لها ما لم يكن ينبغي أن يقال, لذلك تعرضت مكالمته للقطع مباشرة بعد أن اتضح أنها لاتساير هوى القناة والهوى الغالب المراد ترويجه هذه الأيام بشأن ماحدث في تونس الخضراء.
قال ضابط الحرس الوطني جوابا عن سؤال بخصوص عدم تدخل الجيش في الأحداث والسمعة الطيبة التي يمتلكها لدى التونسيين, وعن إصرار قادة الجيش على عدم التدخل في الشأن السياسي نهائيا إن "الخطة تقتضي أن تكون هذه السمعة الطيبة للجيش, لأنه الملاذ الوحيد في حال توتر الأمور, حيث سيتمكن من بسط سيطرته على البلاد بسهولة اعتمادا على سلاحه واعتمادا على هذه السمعة الطيبة".
كريشان مذيع الجزيرة الذي فاجأه التصريح أراد فهم مايقوله الضابط التونسي فاستفسره مجددا "إشرح لنا", ليجيبه هذا الأخير أن الجنرال عمار الذي أقاله بن علي منذ أيام تلقى الضوء الأخضر عبر السفارة الأمريكية في تونس لكي يتحرك الجيش, ويجبر بن علي على التنازل ويكلف محمد الغنوشي بالرئاسة في مرحلة أولى ثم بالوزارة الأولى في مرحلة ثانية رغم أن الغنوشي هو المسؤول _ نظريا _ عن الأحداث الأخيرة باعتباره الوزير الأول لتونس".
الضابط التونسي لم يقف عند هذا الحد, بل كشف أن تعليمات صدرت من طرف القيادة الجديدة في تونس لكل أعضاء الشرطة وأعضاء الحرس الوطني بلزوم منازلهم, وعدم التدخل إطلاقا. هنا عيل صبر الجزيرة التي قاطعت الضابط التونسي وانتقلت مباشرة إلى إعطاء الكلمة ليوسف القرضاوي باعتباره رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لكي يبارك لتونس ثورتها ويطالب الشعب التونسي بالتخلص من خدام الصنم الكبر, بعد أن أسقط هبل وبقي خدامه ينتظرون.
في برقية من برقيات ويكيلكس العجيب بخصوص تونس وهي مؤرخة بصيف 2009 نقرأ مايلي : " الرئيس بن علي يتقدم في العمر ونظامه متصلب وليس لديه خليفة معروف". وأضافت البرقية أن "التطرف لا يزال يشكل تهديدا، في مواجهة هذه المشكلات، لا تقبل الحكومة لا الانتقاد ولا النصح سواء من الداخل أو من الخارج ولا تسعى إلا لفرض رقابة أكثر". هل هذا هو المشكل في الختام؟ أن لاتنتظر أمريكا حتى وفاة بنعلي لكي تقامر بالبحث عن بديل له؟
ليست هناك أي طريقة للتأكد عمليا من الأمر سوى انتظار المظيد من التطورات, لكن بالمقابل يمكننا اعتمادا على ماسبق من تجارب, واعتمادا على ماهو معروف بخصوص العلاقات الدولية أن نقول إن خروج بنعلي فجأة من تونس لايمكن إلا أن يكون صفقة واضحة بين أطراف عديدة, اتفقت على الإبقاء على حياته, مقابل ترتيبات جديدة في البلد وربما في المنطقة كلها مستقبلا, وهو ما سيسهل التعرف عليه في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة.
لنعد الآن إلى تلك الجماهير التي لعبت دور البطل الكومبارس في كل هذا. جميل أن نتحمس لمظهر الشعارات في الشوارع, وجميل أن نحاول إقناع أنفسنا أن الأمور تتم بهذه السذاجة بالتحديد: أن يحرق شاب نفسه, أن تشتعل الأوضاع, أن يخرج الشعب إلى الشارع, وأن يسقط الحاكم. هكذا وبكل بساطة. ربما يتم الأمر في الأفلام التاريخية التي تتناول تاريخ الثورات العالمية بهذا الشكل, ولكن في الواقع لا. في الحقيقة لاوجود لسيناريست يعدل التاريخ المظلم, ويزيل عنه كل الشوائب, ثم يقدمه للمتلقي بالطريقة التي يراها ملائمة.
في الواقع, وتونس لن تكون نشازا بالتأكيد, هناك أشياء أخرى لاينبغي للعامة أن تعرفها. هي تبقى تفاصيل معلقة بين المتحكمين الحقيقيين في الأمور, وفقط حينما تمر العقود والقرون قد تتكشف حقيقة ماجرى فعلا, وقد تفغر أجيال أخرى غيرنا فاها دهشة لا لخطورة ما ستكتشفه, ولكن لقدرتنا البلهاء والساذجة على التصديق رغم كل شيء.
في انتظار ذلك الزمن, لا بأس من أن نتذكر باستمرار أنه إذا الشعب يوما أراد الحياة, مثلما قال الشابي يوما, فإن أمورا كثيرة _ وهذه لم يقلها أبو القاسم _ ينبغي أن تساعده, وإلا فإنه سيموت هدرا ودون أي مقابل, والأذكياء وحدهم سيقطفون ثمار موته الغبي ذاك. نقطة, سير للسطر.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
لازلنا على نهمنا بخصوص مايقع فعلا بسلا التي تورط فيها على مايبدو قياديون من أحزاب تدعي نظافة ذات اليد في قضايا غير واضحة كثيرا. لماذا نقول إننا لازلنا على نهمنا هذا؟ لأن قيادة الحزب الذي ينتمي إليه الموقوفون ترفض الرضوخ لسلطة القضاء لتركه يحكم بالإدانة أو البراءة وتختار التصعيد الخارجي من أجل لملمة الملفات قبل انفجارها, وهو الأمر الذي لن يتقدم بنا كثيرا لفهم مايقع في العدوة المجاورة للرباط.
تراه الهدف الحقيقي من كل الصراخ الذي انخرط فيه قادة الحزب المدان؟ ذلك فعلا هو السؤال

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق