الاثنين، 16 ماي 2011

بن لادن فالمغرب

يصعب على من يتتبع الجاري اليوم في المشهد المغربي ألا يتوقف عند نفوذ الإشاعات وسطوتها على الناس. بين بن لادن الذي استوطن الفنيدق هاربا من القصف الأمريكي في الباكستان, وبين سفاح النساء الذي يزور المدن المغربية بالتتالي, حيث حل بتطوان مؤخرا بعد أن مر على البيضاء منذ أشهر, وزار طنجة قليلا, وبين الإشاعات الكبرى التي تمس القضايا الحيوية للمغرب من تفجير أركانة الذي "لم يقع, ولكن المخابرات فبركته" مثلما تقول الإشاعة إلى 16 ماي التي لم تحدث إلا في خيالنا نحن الذين طعمناه بالكثير من العناصر الكاذبة, نحيا بالفعل في مجتمع يصعب عليه أن يصدق الواقع فيهرب الهروب العادي والطبيعي إلى الاختلاق.
لماذا؟ علماء السوسيولوجيا سيقولون استجابة لحاجة نفسية تجد صعوبة في عيش الواقع كما هو لذلك تهرب إلى صنيع الخيال. البسطاء من أمثالنا سيقولون "بالسيف, الإنسان يشق عليه اليوم أن يحيا دون وضع بعض البهارات على مشهد عام علينا الاعتراف أنه ناقص ملح وناقص دسم". مشهد لايت يصلح لأصحاب الحمية في كل شيء. مفتقر للإبداع, وغني بالمقابل بالمتوقعات وما أكثرها. لذلك يجد المغربي نفسه ملزما بإعمال خياله الخصب, وتحريك كل مكامن الإبداع في ذاته لتفجير أشياء غير متوقعة تصلح لنح هذا المشهد قليلا من الإمكانية للمتابعة دون ملل كبير.
أكثر ما يروق في هذه الإشاعات هو قدرة سارديها على حكيها بكل الاطمئنان الممكن لها وبكل الإيمان القطعي بها. امرأة منذ أيام تتحدث عن سفاح النساء الذي انتقل إلى تطوان وتقسم لنساء أخريات عند بائع ملابس نسائية أنه مر قربها وأنها أحست أن تحت النقاب النسائي الذي يرتديه رجلا, خصوصا عندما لمسها نصل السيف البتار الذي كان يحمله. لإضفاء المزيد من لاصدقية على الحكاية تبرز السيدة لبقية المستمعات لها جرحا صغيرا يكاد يندمل في يدها, وتقول إنه أثر السيف البتار الذي كان يحمله المنقب الهارب ذلك اليوم في القيسارية حيث صادفته.
"زفيفيطة" ستقولون أو ستلطفونها بعض الشيء لكل تستعملوا بالعربية الفصحى كلمة تدل على مبالغة هذه السيدة في الحكي. الأمر عادي جدا. نحن نعيش في مجتمع يحترف الكذب. سياسيوه نراهم باستمرار وقد حولوا كل التواريخ إلى فاتح أبريل, وسمكة كذبهم لاتريد الغرق يوما,بل لاتريد الاختناق حتى حينما يخرجونها من الماء. مثقفوه يلعبون دور أكبر كذبة يمكن تخيل وجودها على سطح الأرض. يضعون النظارات الطبية السميكةو ويطلقون لحيهم بشكل كث وفوضوي, ويبدأون كل كلامهم بعبارة "أعتقد في نظري المتواضع", ولاينهون الكلام لأن الأهم هو أن تبدأ الحديث, أما كيف تصل إلى "القفلة", وكيف نخرس إلى مالانهاية فذلك أمر لايهم كثيرا.
اقتصاديونا أيضا محترفو كذب من الطراز الأول. لو قمنا بعد المخططات الخماسية والسباعية والسداسية التي تربينا عمرنا كله على أنها ستدخل بالمغرب إلى جنان الازدهار لما أنهينا العد. والنتيجة أننا لازلنا نبحث إلى يوم الناس هذا عن مخطط حقيقي يقينا المزيد من الانهيار في بورصات الحياة التي قست على المغغربي البسيط, فأحالته هذا البينوكيو الذي يكذب اليوم بطوله لكي يحيا, دون أن ينتبه إلى أن أنفه يزداد طولا وأن الكل يعي جيدا أنه يكذب لاأقل ولا أكثر.
بسطاؤنا أيضا يعشقون هذا التماهي مع الخيال, أو لنقلها كما هي يعشقون الكذب. يروق للكثيرين مشهد "بخ" الجماعي الذي يرتكب في أماكن الالتقاء الكبرى مثل القطارات مثلا. إذا جلست في مكان في محطة قطار مغربية وراقبت لمدة زمنية قصيرة الأفواج التي تتحرك قبالتك ستؤمن إيمانا قطعيا أن المغاربة ينافسون السويسريين على لقب أسعد الناس في العالم: سرعة لامثيل لها في التحرك, جهد حقيقي على مستوى اللباس والمظهر, أكسسوارات مصاحبة من كل الأنواع بدءا من علامات الهواتف الراقية, من أيفون وغيره وصولا إلى ماركات اللباس العالمية, مرورا بتلك الطريقة الغريبة والمضحكة في الإسراع للحاق بموعد غير موجود إطلاقا اللهم في مخيلة الراكض الذي يعتقد أن المحطة كلها خشبة مسرح يتحرك عليها تحت أنظار المتتبعين, دون نسيان الرطن بكل لغات العالم المتخيلة من الفرنسية في نسختها العربية إلى اللغات الحية الأخرى التي تدل على شيء ما في ختام الختام.
هل نستغرب بعدها أن يقسم مغربي أنه رأى بن لادن في الفنيدق هذه الأيام؟ قطعا لا. الاستغراب الحقيقي مرده عدم تحدث أي مغربي لحد الآن عن الزيارات التي يقوم بها باراك أوباما باستمرار لحديقة الحيوان في عين السبع. لقد رأيته بأم عيني هناك منذ ثلاثة أيام عندما كنت أتعشى مع أنجلينا جولي دون علم زرجها براد بيت, وهذه ليست المرة الأولى. "إيوا حيدوها لي من فمي". يا الله.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
بعين متأسفة للغاية أتابع مايجري اليوم في قناة الرياضية, وأتذكر حماس الانطلاق لها وأتذكر الأحلام الكبرى التي كانت تقال حول هذاالمشروع, ثم أقارن كل هذا يما يقع اليوم فأقول إننا بلد ابتلاه الله بمسؤولين يتقنون إفساد كل الأحلام الجميلة, ويبرعون بالفعل في تمرير القبح إلى كل المجالات التي يمسونها بأيديهم.
الكارثة هي أن لا أحد يفكر في تغييرهم, لكأننا "ٍرضينا بالهم والهم مارضا بينا" مثلما يقول المغاربة في دارجهم واقتنعنا نهائيا أن الرداءة هي قدر لامفر منه للمغاربة في كل المجالات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق