الخميس، 21 أبريل 2011

دمشق في القلب

لهذا الشعب مع من يحكمونه قصة تدعى قبل وبعد كل الأشياء حماة. دك حافظ بمعية أخيه رفعت ذات ثمانينيات على رؤوس أبناء شعبه المدينة كلها, قتل منهم الكثيرين ثم قال في الختام “لقد كانوا إخوانيين”. احتفظت الجميلة الشامية للسلالة بالثأر منذ ذلك الزمن, وقالت “لن نقبل العزاء في من رحلوا إلا بعد أن نثور على قاتليهم”. بين حماة وبين الثأر مرت مئات الجثث على مذبح نظام الحزب الواحد الأحد , وتكونت أنهار من دماء, ويوما بعد يوم أصبح للشعب أكثر من ثأر مع من سرقوا تاريخه إلى أن كان التوريث, وكان لسورية الوضع المضحك أن تركها رئيس لإبنه خلفه بعد الرحيل.
خرج السوريون أول مرة يصيحون “حرية, حرية, سلمية, سلمية”. اكتشف العالم مدينة تسمى درعا. قلنا نحن المغاربة إن المدن التي تتشابه في الإسم تتشابه في الجرح وفي بقية التفاصيل. تذكرنا مع درعا السورية درعة المغربية القابعة هناك على تخوم التهميش والنسيان وكل الآفات, وتذكرنا أن للسوريين قنيطرتهم التي تشبه القنيطرة المغربية, وتذكرنا أن جنودا لنا سيقوا ذات يوم إلى هناك لكي يقاتلوا العدو الإسرائيلي _ من يذكر شيئا إسمه العدو الإسرائيلي هذه الأيام _ دون أن يطلبوا ذلك, لكنهم وفي غمرة الالتحام بشعب سورية عاشوا اليومي الحميمي هناك, فتصادقوا مع سوريين كثيرين, وأجبوا سوريات كثيرات, والتقطوا في الجولان بعضا من ملامح الربيع العربي القادم إلى بلاد العربان بخطى السلحفاة منذ ذلك الزمان.
خرج شعب حمص ودرعا واللاذقية, بلد العيون الخضراء التي لم تعد ترف إلا للوطن, وخرج أهل حلب وناس دمشق, وترنموا مع المنشد السوري الشهير “أبو راتب” رائعته التي أرفض أن أقول عنها أغنية دينية أو أن أنسبها للإسلاميين فقط, ببساطة لأنها من الأغاني الوطنية حقا التي تدمي الفؤاد حين الإنصات إليها “دمشق في القلب, قلبي في هوى حلب, دمي حماة ونوح الجسر أغنيتي”. سمعناها في الجامعة المغربية ذات يوم فأبكتنا لكأنها كانت تغني عن وطن لنا لا نعرفه ولم يسبق أن التقينا به يوما إلا في الوجدان البعيد, وحين نستعيد كلماتها اليوم نجدها تقول مايجري في الميدان بالتحديد دليلا على أن للشعب الذاكرة التي لاتنسى, وأن الأشياء وإن ضاعت في زحمة الطريق التافهة, تأتي في يوم الجد لكي تستعيد كل ماصنع لها الألق الأول اللازم, الجدي, الباقي إلى الختام.
“سورية اليوم بركان ..سيول دم ..شام الرسول منار نار ملحمتي”, يغني أبو راتب, ويصدح بالصوت الرخيم الذي منحه الله إياه, قبل أن يصيح الغربة والبعد عن أرض الوطن “روحي فداؤك طال البعد يا وطني كفى ضراما بنفسي المعذبة 
 مالي اصطبار فراق الشام ألهبني ..أفديك أفديك هذا بعض أمنيتي”
يوم انتفضت مصر قلنا إنها استفاقة العالم العربي كله, ونسينا أنها استفاقة سورية قبل الجميع. أليست البلد الذي عانق يوما عبد الناصر في الوحدة التي لم تكتمل؟ أليست الشام التي قبل شعبها الانصهار مع دولة أخرى فقط لكي يكون للعرب يوما صوت أقوى من بحتهم التي يحتقرها العالم كله؟
بلى هي كل ذلك وأكثر, ويوم قرر حافظ الأسد الذي حكمها بالدم والدمار أن يتركها لطبيب العيون إبنه بشار, قال الكل “حرام”, وصاحت الصبية الشامية حزنها المكتوم, وبكت اغتصابها في واضحة النهار أمام الجميع, ثم أخفت الدموع, وقالت “سيأتي يوم آخر, سيأتي يوم بكل تأكيد”.
الآن في شوارع سورية, لا يصيحونها سلمية نهائيا, لايريدون منه الحرية, هم يقولونها له مباشرة ودون مواربة “زنكة, زنكة, دار ودار, راح نجيلك يابشار”. فقد مثل عليهم دور من لم يسمع جيدا نداءات الرغبة في التحرر من العبودية, وأطلق عليهم الرصاص الحي, قتل منهم مائتين حتى الآن فقط لأنهم أرادوا أن يعيشوا آدميين في بلادهم. تذكر ما فعله من سبقوه في حماة وأهلها, فأراد السير على نفس المنوال, لكن الظروف تغيرت تماما, وجيل اليوم يمتلك عينا جريئة للغاية, تخرج إلى الشارع مسلحة بقبضتها العارية وبانتكاسات جيل الآباء والأجداد لكي تأمر فيطيع الحاكمون. “الشعب يريد”. لم يعد الرجاء يرفع إلى الحاكم ممهورا بعبارات النفاق التي علمونا إياها منذ أتينا إلى الحياة.
أصبح الكلام أكثر جرأة, أكثر صدقا, أكثر حرية. واليوم وسورية تعيش انتقالها الحق من عصر إلى عصر ومن جيل إلى جيل, يحق لشعبها علينا أن نتضامن معه, أن نتذكر الدم المشترك بيننا وبينه, وأن نشرئب بالأعناق تجاه الصبية الشامية نطمئن على عينيها الجميلتين من طبيب العيون السفاح أن يحاول حرمانهما من نعمة البصر نهائيا لئلا تحلم يوما بحرية هو لا يؤمن بحقها في الوصول إليها.
“باب الحارة” اليوم انفتح. ليس في قناة تلفزيونية خلال شهر الصيام, ولكن في أرض يخضبها أهلها بالدم من أجل الخلاص. حَقَ علينا أن نتابعهم اليوم بكل الإيمان الممكن تماما مثلما كنا نجلس أمام الشاشة خلال شهر رمضان.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
مرعبة هي العبارات التي بدأت ترد على لسان بعض السلفيين في اتجاه حركة 20 فبراير بين الفيزازي الذي يدعو لتخليص الحركة من الدخلاء والملاحدة, وبين المنشور الذي دعا الشباب للتظاهر ضد بيع الخمور.
شيء ما يدبر بليل لهذه الحركة الشبابية عليها أن تنتبه إليه وأن تصفي صفوفها ممن يرغبون في أمور أخرى غير الحرية للشعب المغربي.
على الأقل يجب حرمانهم من الاختباء في صفوف الحركة ووراءها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق