الجمعة، 18 نونبر 2011

مجرد كلمة حق

كنبغي الوداد, وأهوى فيها ثقلها التاريخي الكبير الذي لايتوفر لأندية مغربية أخرى, تحاول وتحاول لكنها تظل باستمرار دون مستوى "وداد الأمة" وما تشكله وداد الأمة للمغاربة ككل وليس للبيضاويين أو لمحبي الوداد فقط. لذلك نستطيع أن نتحدث عن الوداد بكل اطمئنان ودون أن يقال إننا نستهدفها أو أننا نكتب ضدها, خصوصا في موضوع مثل الذي حدث في تونس, حين تسببت عناصر مشاغبة محسوبة على جمهور الوداد في تدخل أمني عنيف من طرف القوات التونسية التي نعرف جميعا حساسية الوضع الأمني ببلدها, ودرجة التأهب الكبرى التي توجد عليها باستمرار تلافيا لكل ما من شأنه أن يمس الأمن في جمهورية أسسها السابق بن علي على الأمن أولا وقبل كل شيء.

الذي وقع يوم السبت الماضي هو أن عناصر مشاغبة اعتقدت أن ماتقوم به في شوارع الدار البيضاء باستمرار هو أمر ممكن في تونس العاصمة. وقد تلقت الرد مباشرة وبسرعة من طرف القوات الأمنية التونسية أن لا مجال للمقارنة بين البلدين نهائيا. هنا يمكنك أن تكسر كل زجاج الحافلات التي تمر أمامك, وأنت تغادر الملعب, دون ان تخشى اعتقالا أو إحالة على النيابة العامة, وهناك لايمكنك أن تحدق مليا في أعين رجل أمن إلا والصفعة تهوي على خدك مباشرة بعدها.

تذكروا أن البوعزيزي أحرق نفسه يوما لأن شرطية تونسية صفعته, وتذكروا أن مشاهد مثل مشاهد الحرب التي رأيناها بين الرجاويين والوداديين في شارع 2 مارس منذ أيام هي مشاهد لايمكنك أن تراها في أي بلد يحترم نفسه, باستثناء سوريا واليمن اليوم لاعتبارات تهم البلدين ومايقع فيهما. أما لدينا فقد رأينا التراشق بالحجارة وبالشهب النارية, ولمحنا بأعيننا مشهد حي بأكمله يحاصره المشاغبون ويعيثون فسادا في سيارات وممتلكات الناس دون أن تقول لهم أي جهة أي شيء.

لذلك علينا التريث كثيرا قبل أن ننجر وراء اللعبة التي أراد الإعلام الرسمي جرنا إليها والتي تقول إن "قوات الأمن التونسية اعتدت دون أي مبرر مقبول أو معقول على الجمهور الودادي بالضرب وبالغازات السامة". علينا أيضا أن نتساءل عن السلامة العقلية لكل المسؤولين المغاربة الذين صدرت عنه التصريحات التي تقول إن "البوليس التونسي هاجم بشكل غير مفهوم الجمهور المغربي". علينا ثالثا أن نتساءل إن لم يكن بعض المحسوبين على الجمهور المغربي الذي تحول إلى تونس لمؤازرة الوداد هم من يتحملون مسؤولية أعمال الشغب والتخريب التي حدثت في ملعب رادس وفي مطار تونس العاصمة, وهم من اضطروا قوات الأمن في تونس لكي تتعامل بحزم معهم للحد من شغبهم, والحرص على فض الاشتباك بينهم وبين جمهور الترجي على خير.

أكره ما أكرهه هو أن نتحول نحن أيضا إلى مقلدين من الدرجة العاشرة للمصريين يوم أرادوا تحويل مباراة عادية في كرة القدم بينهم وبين الجزائريين إلى "موقعة القرن", وإلى "حرب أم درمان", وإلى أشياء تدل على التخلف ولا تدل على أي شيء آخر. وأتمنى أن يمتلك المسؤولون الذي رافقوا الوداد إلى تونس وففي مقدمتهم وزير الشباب والرياضة الشجاعة اللازمة لقول ماحدث هناك, ولتحمل مسؤولية الشغب الذي قامت به عناصر ودادية أو محسوبة على الوداد هي التي دفعت في الختام الأمن التونسي إلى التدخل العنيف.

ذلك أنه سيكون مثيرا لكل أنواع الاستغراب والدهشة أن يلجأ البوليس التونسي إلى ضرب كائنات وديعة حضرت لكي تشجع فريقها بكل روح رياضية, وتقبلت الهزيمة في الأخير بصدر رحب, وكانت تصفق على جمهورها وأدائه الرجولي, وتصفق في الآن ذاته للفريق المنتصر بكل أريحية, لكنها فوجئت بهراوات الأمن وبالقنابل المسيلة للدموع تنهال عليها من كل جانب من طرف القوات الأمنية التونسية التي أرادت اصطناع أزمة ديبلوماسية مع المغرب "غير هاكاك".
يلا كان اللي تيهضر أحمق, اللي تيسمع يكون بعقلو. هكذا يقول المثل, وإذا كان بعض المسؤولين عن الرياضة المغربية يريدون البحث عن مشجب لإخفاق الوداد في النهاية ولو عبر اختلاق أحداث غير حقيقية, فالواجب عليهم هو أن يتحلوا بفضيلة الاعتراف بالحقيقة, والاعتذار على الأكاذيب التي روجوها, والبحث عن السبب الذي يجعل الشغب اليوم رديفا لأي مباراة يحضرها أي عدد من الجماهير المغربية مهما كثر أو قل هذا العدد.

مشكلة الكرة المغربية اليوم هي الشغب المجاني الذي أصبح يسير معها بتواز كامل, وكارثة لقاءاتنا الكروية خصوصا تلك التي تجمع فرقا لديها جماهير كبيرة, هي أن المدن التي تحتضن لقاءات هذه الفرق أصبحت تخشى انعقاد المباريات على أرضها, بل لقد سمعنا عن مدن ترفض سلطاتها استقبال فرق معينة للعب فيها بسبب هذه الكارثة الخطيرة المسماة شغبا والتي أصبحت تجتاح الوطن كله اليوم.

لنرب جماهيرنا عوض أن نبحث عن تصدير مصائبنا إلى البلدان الأخرى, واصطناع الأزمات الديبلوماسية معها, ولو دون أي وجه حق أيها الإخوان.

ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
رفض التونسيون الدعوة التي وجهها حزب النهضة الإسلامي لأمير قطر لحضور المجلس التأسيسي التونسي معتبرين الأمر دليل تدخل أجنبي غير مقبول, مهما كن الدور الإيجابي الذي قامت به قطر في مساندة ثورة الياسمين في تونس.

موقف التونسيين يأتي لكي يؤكد تشبث أهل هذه البلاد بحريتهم, مهما كان الثمن, خصوصا وأنهم فعلوا المستحيل لكي يتخلصوا من ديكتاتورية بن علي وتمكنوا من ذلك, وهم لايريدون السقوط في فخ أي ديكتاتورية أخرى كيفما كان نوعها.
درس بليغ آخر من تونس الخضراء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق