الخميس، 2 غشت 2012

إخوة الريسوني الملحدون

إخوة الريسوني الملحدون ارتكب أحمد الريسوني, يوم الإثنين الفارط أي يوم عيد العرش بالتحديد مقالا جديدا من مقالاته الرمضانية التي ألف أن يهيج بها العوام, وأن يدس السم من خلالها في الدسم, وأن يطلق العيارات النارية التي يعتبر أنها _ وإن لم تصب تدوش مثلما يقول المصريون_ تماما مثلما فعل في عام سابق حين فتح النار على المهرجانات الفنية ومن يرعاها, ثم سارع إلى وقف الحلقات التي كان ينشرها بعد ان أوصل الرسالة التي كان يبغي إرسالها إلى من يهمه الأمر. مقال الريسوني ليوم الإثنين الفارط عبر "المساء", حمل عنوان "انتفاضة الإخوان الملحدين بالمغرب", وتضمن أكبر قدر ممكن من الخلط بين الأشياء إلى درجة طرح السؤال عن الوضعية النفسية التي كتب فيها الريسوني مقاله. إذ قفز فيه بين الحديث عن خوف المشارقة من الشيعة والتشيع إلى الحديث عن قوة من أسماهم الإخوة الملحدين في المغرب, مرورا بعدم القدرة على الجهر بمن يعتبرهم هؤلاء الإخوات الملحدين, والاكتفاء بالغمز واللمز من كل مكان ومن كل ناحية, إلى أن يخيل لقارئ المقال أن الريسوني يقصد الجميع دونما استثناء اللهم طائفته التي يعتبرها ناجية, والله أعلم بطبيعة الحال. فقيه التطرف القاطن في جدة والمستعد للعودة إلى البلد, والذي يجد في منابر معينة من يقدس فكره "المقاصدي" حد جعله البديل المنتظر لكل مؤسسات الدولة الدينية, إذا مادانت الأمور يوما, يريد إيهام من طالعوا مقاله الخطير ذاك أن كل من يدعو لحرية في البلد هو ملحد, وهذه المسألة ليست تكفيرا فقط للناس دون وجه حق, بل هي استعداء للعوام عليهم, خصوصا إذا أتى الكلام ممن جلس يوما أمام أمير المؤمنين ملك البلاد لكي يلقي درسا حسنيا من الدروس التي ألفنا في هذا البلد أن يلقيها أئمة الاعتدال وفقهاء الوسطية الراغبون في إيجاد السبيل للتوحيد بين الناس, لا الباحثون عن منافذ للفتنة تنفيسا للعقد الشخصية الصغيرة, أو تحقيقا لأحلام التشبه بالقرضاوي ومن على زمرته ممن باعوا دين الله ببترودولارات قطر والناتو وغيرهما من الجهات المانحة. هل نقول إننا فوجئنا من موقف الريسوني؟ سنكون كاذبين بكل تأكيد. الرجل لا يضيع اي فرصة لكي يقول مايعتقده في المجتمع المغربي, الذي يعتبره خليطا من "الإخوان الملحدين", إذ جمع في التصنيف المذكور أعلاه طوائف عديدة من الناس لو عددتها حقا لوجدتها المغرب كله: الفنانون, والجمعيات الحقوقية, والجمعيات الإنسانية, والأحزاب السياسية والإعلام, والطبقة السياسية. ولن نقول مجددا إن التصنيف الخطير للمجتمع على أساس التفريق بين ملحدين ومؤمنين هو تفريق خطير قد يجعلنا في يوم من الأيام نحمل السلاح في وجه بعضنا البعض من أجل نصرة الإيمان على الإلحاد, أو من أجل العكس, لكننا سنقول إن من يرى في السعودية ملاذه وملجأه, ويعتقد أن النموذج المجتمعي الذي هرب للعيش فيه هو أفضل من النموذج المجتمعي الذي يقترحه هذا البلد على ساكنته _ المؤمنة رغما عن أنف من يعتقد أنه يملك صكوك الغفران _ لايمكنه نهائيا إلا أن يأتينا حاملا رسائل الفرقة والتشتيت هاته التي لا تستوعب نهائيا المعنى الفعلي للحمة المجتمع المغربي. هذا البلد عصي فعلا على الفكر الفرقوي الذي يمثله الريسوني ومن سار على الهدي العجيب الذي يقتنع به. والأخ المؤمن, إذ يكتب اليوم بهذه الحدة ويسمي جزءا كبيرا من المجتمع إخوة ملحدين فإنما يعبر عن سخط من آمن فعلا أن البلد سائر في مساره لا يهمه أن تسقط ليبيا بين أيدي سلفيي القاعدة, أو أن يحكم مرسي باسم الإخوان والسلفيين أرض الكنانة اعتمادا على تحالف عجيب مع العسكر والأمريكان, ولا أن تقنع النهضة منصف المرزوقي أنه رئيس فعلي في تونس التي تخوض يوميا معاركها من أجل عدم السقوط النهائي بين أيدي القاعدة, ولا أن تتعدد كل النماذج التي تتشابه في بقية البلدان وأن يبقى المغرب نسيج وحده, والبلد القادر على إشهار عبارة الاستثناء المغربي في وجه الجميع دونما خوف من كذبها في يوم من الأيام. هذا البلد لديه حصانته التي بناها على امتداد السنوات والعقود والقرون, وعلى رأس الحصانات مؤسسة إمارة المؤمنين التي تعفينا من اللجوء لأشخاص يشبهون القرضاوي قد نشتريهم بالمال لكي يصبحوا مفتين رسميين لنا. لدينا مؤسساتنا ولدينا شعبنا الذي يحيا العلاقة بين دينه ودنياه مثلما يتصورها, ولدينا طبعا في الختام هؤلاء الذين يتصورون المغاربة شعبا من الإخوة الملحدين, ولا يستحون في اللجوء إلى مثل هاته التصنيفات القاتلة, لكنها ضريبة التوفر على كل شيء في نهاية المطاف في بلد ألف منذ القديم أن يحتوي كل شيء.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق