الثلاثاء، 7 غشت 2012

صورة بلد في الختام

والكل يستمع لسعيد عويطة على "الجزيرة الرياضية" يتحدث عن المنشطات في ألعاب القوى المغربي, وعن "الوسخ" مثلما قال الذي يحيط بكل مكان في الرياضة بالمغرب اليوم, تمنيت لوهلة صغيرة أن يسكت الرجل. لا أعرف لماذا, ولست من أنصار "خللي داك الجمل بارك", وأعتبر أن مهمة الصحافة هي أن تفضح المستور, لكن على شاشة "الجزيرة الرياضية", ووسط كل لحظات السقوط المدوي لأبطالنا أو لمن هم في حكم أبطالنا خلال الأولمبياد, وقبله وبعده بكل تأكيد, تمنيت من سعيد أن يسكت. الرجل طبعا لديه حسابات عالقة مع جامعة ألعاب القوى, أو لنقلها بصراحة لديه حسابات مع عبد السلام أحيزون شخصيا, وإذ يمكن تفهم العداوات الشخصية المبنية على تضارب الحسابات, لا يمكن نهائيا تفهم تصفية الحساب عبر قناة أجنبية ضد بلد بأكمله. العرب الذين كانوا يشاهدون نقل الجزيرة الرياضية لمنافسات ألعاب القوى, لايعرفون أن عويطة كان مديرا تقنيا لمنتخب المغرب تصادم مع عبد السلام أحيزون رئيس الجامعة, وغادر البلد غاضبا لاعتبارات كثيرة ليس هنا أوان ذكرها. العرب الذين كانوا يتابعون ذلك النقل المباشر, وكانوا ينصتون لعويطة يجلد بلده بالمباشر, فهموا شيئا واحدا لاغير: المغرب بلد فاسد ممتلئ بمجرمين يعطون للرياضيين فيه المنشطات, وكفى. كان ممكنا لعويطة أن يتعالى عن تصفية الحساب الشخصي لحظتها. كان ممكنا له أن يربط الإخفاق المغربي بالإخفاق العربي العام. أن يذكر من يحدثه من معلقي الجزيرة ومن ينصتون إليه من مشاهديها أننا فعلا في الهم شرق, وأن الدول أحرزت حتى اليوم السادس أو السابع من المنافسات عشرات الميداليات من كل المعادن, وأن "الكسيحين" الوحيدين في العالم الذين توقف حصادهم عند نحاسية يفخرون بها, وفضية يغنون لها هم العرب بمختلف تشكيلاتهم _ مع الشك في صحة نسبتنا جميعا إلى هذا الوصف رغم أننا نتحدث لغته ونكتب بها _ كان ممكنا أيضا لسعيدنا الوطني أن يقول إن مشكلة المنشطات هي مشكلة عالمية تهدد الرياضة في مختلف الدول, وأن نموذج البطل الذي كنا نعتبره خرافيا لانس أرمسترونغ في رياضة الدراجات والذي ثبت تعاطيه للمنشطات في الولايات المتحدة هو أفظع نموذج على مايقع اليوم في هذا المجال. كان ممكنا لعويطة أن يناصر مريم العلوي السلسولي وأمين لعلو والبقية _ وإن كان الشك لازال مخيما على الموضوع ككل _ وأن يقول بأن ضغط النتائج وعدم وجود مرافقين نفسيين للاعبين, وكل الانتقادات التي توجه للعدائين في المدة الأخيرة بكونهم لم يعودوا قادرين على شيء, بالإضافة إلى حداثة السن, كل هذاا قد يجعل البطل يضعف, ويمر إلى لحظة تناول شيء ما قد يساعده في لحظات السباق كان ممكنا لعويطة أن يقول إنه ينتظر التأكد من الخبر, ومن صحة أو عدم صحة تناول أبطالنا للمنشطات, وبعدها سيتحدث. كان ممكنا الكثير, إلا الاختيار الذي اختاره سعيد _ سامحه الله _ خصوصا حين قام معلق الجزيرة الرياضية الذي كان يرافقه بتقديم الحديث عن المنشطات والمغرب تقديما تلفزيونيا "قيما" للغاية, وقال "بعد قليل سنتحدث عن مسافة 1500 متر بشكل حصري على قناتنا وسيقول لنا البطل سعيد عويطة أشياء ساخنة وخطيرة". المغاربة الذين أنصتوا لهذا التقديم فهموا أن القناة تمارس إشهارها على حساب بلد بأكمله, لكنهم تمنوا أن يكون إبن البلد أذكى من اللعبة وألا ينجر إليها, لكن سعيد رسب فعلا في الامتحان, وبدا صغيرا للغاية, وهو يروج لنفسه ولرغبته في أن يكون رئيس جامعة ألعاب القوى على الهواء مباشرة. سعيد عويطة بطل أسطوري. هو لوحده قدم للمغرب ما لم يقدمه أحد من قبل. عرفنا العالم عن طريق سعيد, وجميله في رقبة كل المغاربة إلى يوم الدين. لكن سعيد عويطة المحلل الرياضي أو المعلق التلفزيوني بدا هزيلا جدا, وبدا أهزل من أن يكون صنوا لسعيد عويطة البطل الذي نعرفه. سعيد الذي يتقاضى أجره بالدولار من قطر نظير سب بلده على الهواء مباشرة لتصفية حساباته الشخصية, هو أصغر من أن يكون سعيدنا الوطني الذي استفاق المغرب كله سنة 1984 في الفجر لكي يراه يجري ويحمل راية المغرب في الآفاق. خطوة صغيرة تفصل بين البطولة بمعناها النبيل, وبين الصغر بمعناه المنحط كثيرا, الذي يجعل أنانية المرء تنتصر على ماعداها وتورطه في أشياء لا يحق له أن يتورط فيها. المغرب أكبر من أن نسبه على شاشة "الجزيرة الرياضية" آسي سعيد, وإذا كان هناك من حساب ما فلتأت إلى البلد ولتفتحه علنا. هذه هي أخلاق الأبطال الرياضيين الحقيقية, بالمنشطات أو بدونها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق