الأربعاء، 4 أبريل 2012

الآن والأمس وغدا

تتفرق بنا السبل, ثم نلتقي, ثم نفترق ونعاود الالتقاء. أول أمس ذهبنا لنشهد ميلاد مجلة "الآن" فوجدتني داخل "الأحداث المغربية" من جديد. رأيت مصطفى, وسي محمد, والمحجوب وادريس. رأيت أعمارا من الحياة تربت في هذا المكان, عاشت فيه اكتشافها الأول للصحافة, وتعلمت فيه الأحرف الأولى لاحترام قيم العيش قبل احترام أي شيء آخر. كان الزميل يوسف ججيلي يعلن ميلاد مجلته الجديدة بتأثر شديد, للحظة إنسانية لطالما انتظرها وجاءته تتويجا لمسار جديد يعلن مولد أشياء أخرى قادمة إلى مشهد صحفي تم تقسيمه في يوم من الأيام لكي لايلد إلا أسماء معينة, ولكي يصاب بالعقم بعدها.
وبين الكلمات المتحمسة للانطلاق, الحالمة بالنجاح, والراغبة في المغامرة, وجد يوسف الكلمات المناسبة لكي يقول "ستلاحظون أن عددا كبيرا من المغامرين معي في هذه التجربة الجديدة هم أبناء الأحداث المغربية التي تعد مدرسة حقيقية في مجال الصحافة الناطقة باللغة العربية في بلادنا". لم أستطع شكر يوسف على الكلام الطيب بالقول, لكنني شكرته بنظرات العين, ووجدت الآخرين, أبناء هذه الدار الذين خرجوا منها يوما يفعلون الأمر ذاته. كلهم قالوا لهم في سريرة سريرتهم شكرا.
بدءا من مصطفى أزوكاح, هذا الطفل الكبير, الممتلئ قلبا يضج بالحياة, والغاضب أحيانا لأبسط الأسباب, الفرح أيضا لأبسطها, المتمسك بأنه لن ينسى أبدا الأيام التي عاشها في هذا المكان, مرورا بادريس العنبري إبن الدار المتشبث بالوفاء لها, القائل لكل من يريد سماعه إن "الأحداث وحدها تعرف كيف تفعل الكثير من الأشياء", مرورا أيضا بالمحجوب فريات, رجل لايعبر عن مشاعره إلا قليلا, لكنه بين لحظة بلوز وأخرى, يبوح بكل شيء, ويغرق في حاسوبه أو في هاتفه النقال لكي يقول عبره ما لايقوله عادة من عابر الكلام, مرورا أيضا بمحمد سقيم المسؤول اليوم في قناة "الرياضية" والذي حضر يوم الإثنين لمساندة زملائه السابقين في الأحداث المغربية, والذين يجد لهم باستمرار النكتة القادرة على النفاذ حتى العمق, من كل الذكريات التي عبرت المكان ذات زمان.
هل ذهبنا يوم الإثنين لكي نحتفل بميلاد "الآن"؟ نعم, لكننا وجدنا أنفسنا أسرى الذكريات التي مرت يوما, وأسرى ترديد الحكايات الطريفة التي عشناها ساعة فساعة, ودقيقة فدقيقة, وثانية فثانية.
جمعتنا التجربة أول مرة وأغلبنا لم يمارس الصحافة يوما. أتينا إلى هذه المدرسة وتعلمنا فيها كل شيء. صنعنا أسماءنا من العدم, لذلك ندين لها حتى آخر الأيام بكل الفضل. لحسن الحظ أن أغلبية من مروا من هنا كانوا من الأوفياء. أناسا يخشون أن ينسوا يوما من مد لهم يد العون الأولى في بادئ اللحظات, لذلك سيجمع بيننا الامتنان لهذه التجربة كل القواسم, وسيظل خيطنا الرابط الذي به نتعرف على بعضنا البعض كلما هلت علينا لحظة جديدة للالتقاء.
حتى تلك اللحظة التي خرج فيها بعضنا إلى تجارب أخرى _ لأسباب كثيرة ليس هنا أوان تبيانها _ كان كل مرة بالنقيض, بالضد يعرف قيمة الدار التي تركها في بياضة, غير بعيد عن لاجيروند, وفي المنعطف الأول قبالة القصر الملكي بالبيضاء. هنا التقينا أول مرة. أتينا من كل مكان, من الأحياء الشعبية في أغلبيتنا إلى مجال فهمنا أننا قادرون على صياغته وفق تصور آخر غير التصور السائد للأشياء. كتبنا وأصبنا وكتبنا وأخطأنا, لكننا أساسا صنعنا جزءا من تاريخ الصحافة في هذا لابلد, لايمكن إلا أن يبقى لذاكرتها وذكراها إلى آخر الأيام.
قال عنا الكثيرون كل الأشياء. سمعنا ولم نطع, قلنا مع أنفسنا مرارا وتكرارا إن الزمن كشاف, وإنه وحده سينصف الكل في الختام. سيقول من ومن, سيحدد العلامات, وسيؤكد الفوارق, وسيعيد إلى كل ذي حق حقه, وكذلك كان. اليوم يبدو من الصيرفي في المشهد الصحفي الراغب في الربح المادي فقط, يبدو أيضا المتلون الذي يبيع كل يوم جلده لمن يدفع أكثر. يبدو غير المهني المتطفل على كل شيء, ويبدو القادر على الكتابة عن الشيء ونقيضه بشكل يدفع فعلا إلى الإعجاب حد الذعر. وتبدو التجربة في كامل بهائها قادرة على الاصطفاف لوحدها شيئا للتاريخ فعلا. في لحظة من اللحظات استدعى محمد مؤيد نفسه إلى الحديث ليلة الإثنين. أتى الراحل الكبير لكي نتذكر به تلك النظرات التي كانت تتحدث أفضل من كل الكلمات. تحدثنا عن الجميع, وكدنا ننسى أننا هنا من أجل "الآن" ولسنا هنا من أجل تذكر ماكان.
وأنا أغادر الطابق الرابع من إقامة بغداد حيث سيصنع يوسف وسامي ونادية وفؤاد وخالد رفقة البقية تاريخهم الجديد مع مغامرتهم الصحفية الجميلة التي تبدأ بالكاد, كانت الأسماء تتراءى لي من كل مكان, وكنت عاجزا عن إيقاف سيل الذكريات إذ عبر مني كل المسام. ترحمت على خالد سنينة. تذكرتني جالسا قربه في اجتماع شهير في الطابق الثالث وهو يجد صعوبة في إيقاف ضحكته. تذكرت كل شيء, دون أي استثناء, كل شيء, وأحسستني _ ربما للمرة الأولى منذ زمن بعيد _ محظوظا بالفعل أنني كنت جزءا من هذا التاريخ المجيد.
شكرت الليلة كلها, وابتسمت, بشجن وميلانكوليا حقيقيين, لكنني ابتسمت...
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
يجب أن نقرأ خبر طرد فرنسا لمجموعة من الأئمة من ترابها القراءة الصحيحة فعلا. بعض هؤلاء سامحهم الله تجاه مايفعلونه بالدين الحنيف, أًبحوا متخصصين في تقديم أسوء التصورات عن الإسلام, وأضحى فهمهم الرديء والخاطئ لديننا متسببا في الكوارث تلو الكوارث للمسلمين العاديين, وللجاليات المسلمة في بلد المهجر, وأصبحوا _ عوض أن يكونوا أداة رحمة بين الناس _ أدوات عذاب فعلية ترعب وترهب وتمنع الغرباء والأجانب من الاقتراب من الإسلام الاقتراب الجميل الذي صنع علاقة هذا الدين بالبعيدين عنه على امتداد التاريخ.
من حق فرنسا أن تطرد من تراهم مهددين لقيم الجمهورية لديها, ومن حقنا نحن أن نحزن, فقد صرنا متخصصين في إرهاب الناس وإرعابهم حتى في قلب دولهم.
دمنا لهذا التخلف الذي أًدمننا وأدمناه

هناك تعليق واحد: