الاثنين، 2 أبريل 2012

دنيا والأمل

يجلس الرجل القرفصاء فوق المشهد الإعلامي المغربي. يقضي حاجته يوميا على الرؤوس ويمضي هو الذي يعد الرمز الأكبر للريع النقابي في البلد. سألت نفسي طويلا "زعما يستحق نكتب عليه؟". جاءني الجواب سريعا على لسان عدد كبير من الزملاء "والله مايستحق, تافه ديال الخلا وصافي". التزمت الصمت الذي أمرني به الزملاء, وقررت الصفح عن الموضوع كله وانتظار الآتي من الرداءات ليقيني أن الحياة إن هي إلا سلسلة منها في بلد مثل البلد, ومع أناس مثل الناس.
بإحساس ممض بالهباء, وبغير قليل من الحزن التقطت كل ما قيل عن الموضوع, وسادتني حالة يأسي الشهيرة التي أعرفها لوحدي, تلك التي تحبطني من نفسي ومن المحيطين بي, ومن كل شيء, وتجعلني أكفر في لحظة واحدة بكل يقينياتي التي أمضيت الزمن والوقت كله أبنيها "شوية بشوية", لكن دنيا أخرجتني من حالة الإحباط هاته. شابة في مقتبل العمر, تملك صوتا أخاذا وجميلا سلب العرب كلهم, وذكرهم أننا البلد الذي أنجب عزيزة جلال ذات يوم, تلك التي أرعبت المصريين على عرش أم كلثوم, وجعلتهم يتساءلون "ياكما غاديين يديروها المغاربة هاد المرة؟". عزيزة اختارت إنهاء مسارها ذات يوم بشكل مفاجئ. تزوجت وأجلست صوتها لكبير في البيت, وبقي المغاربة على ظمئهم يتظرون صوتا كبيرا جديدا يحملهم إلى مقدمة المشهد الغنائي الإقليمي, فكانت دنيا.
يومي الخميس والجمعة زارتنا الشابة البيضاوية المتألقة. رأيت في التفاف الزملاء حولها من كل الأقسام في الجريدة, ورغبتهم في تخليد مرورها من هذا المكان رغبة منهم في تخليد لحظة فخرهم بصوت مغربي أدهش الكبار القابعين في عقدة تفوقهم الشرقية علينا. جاءت دنيا إلى آراب أيدول وخلقت لهم مشكلا كبيرا "واش نربحو مغربية زعما؟". كل الإجابات المنطقية كانت تقول "نعم, خاصها تربح". الشابة تؤدي المغربي بتألق, تؤدي الشرقي بروعة, تؤدي الخليجي بإتقان, ولو كانت لجنة تحكيم آراب أيدول ممتلكة لناصية اللغات قليلا وطلبت من دنيا أن تغني الفرنسي أو الإنجليزي أو الإسباني لفعلتها, شأنها في ذلك شأن شعب "سبع لسون" المسمى الشعب المغربي.
بالمقابل كان كل منافسيها, بمن فيهم الفتاة المصرية التي وصلت معها إلى النهاية, عاجزين عن أداء كل هذا التنوع الغنائي, وكانوا مقتصرين _ كل حسب البلد الذي أتى منه _ على أداء اللون الذي يتحدرون منه. بهذا المعنى, وبهذه النتيجة كان اللقب لصالح دنيا بامتياز, وكانت هي النجمة التي أعلن عنها البرنامج دون أدنى نقاش.
كارمين فازت باللقب, ودنيا فازت بإعلان نفسها نجمة قادمة بقوة إلى المشهد الغنائي المغربي. لذلك كان زملاؤنا في الأقسام المختلفة للجريدة مصرين على احتضانها, على الاحتفال رفقتها بعيد ميلادها يومين قبل قدومه, وملحين على أن يظهروا لها الفائز الحقيقي في هاته المسابقة التي قدمت لنا هاته الهدية التي كانت بيننا لسنوات ولم نكتشفها إلا بعد أن لمحها الأجنبي وحملها إليه لكي يتقن طريقة إظهار جواهرنا المحلية التي ندفنها هنا مقابل منح الواجهة للأدعياء, للرديئين, للقادرين على إبداء وقاحة القبح في وجه الجميع.
دنيا والرجل, وجدت نفسي فجأة مساء الجمعة وقد تغير مني "المورال" بشكل كامل. أخرجتني الشابة المغربية اللطيفة من حالة يأسي بالبلد التي أدخلني فيها ذلك الرديء, وجعلتني أقول "لحسن الحظ أن المتناقضات في البلد موجودة, وأن كم الرداءة المسيطر لايمنع من وجود بعض اللفتات الجميلة والبراقة التي تعيد لنا إيماننا بالعمل من أجل مغرب يتغلب فيه الجمال على القبح. الحب على الحقد, الطيبوبة على الشر الكامن في القلوب, الإبداع على الإدعاء واحتلال المناصب دون وجه حق".
وجدتني أيضا أقول أن لا حق لنا في الكفر ببلدنا مهما ضاقت علينا, ومهما كثر الرديئون حولنا. البلد المسكين في حل من رداءات هؤلاء, وهم "كيزاوك فينا النهار وماطال" أن خلصوني من هؤلاء, أن مدوا لي يد العون لكي يذهب المزمنون لحال سبيلهم, أن يخلوا المكان للأجيال الجديدة, أن يعطونا ويعطوه الإحساس أنه ليس عاقرا إلى هذا الحد الذي يجعل المزمنين في كل الميادين يصرون على أنهم وحدهم ""كيضويو البلاد", علما أنهم فعلا وحدهم يطفئون علينا يوميا مصباحا جديدا لكي يبقى الظلام مسيطرا, لعلمهم أنهم غير قادرين على العيش إلا فيه.
لاحق لنا في التسليم, ولا بديل لدينا عن خوض المعركة مع الرداء ومع رموزها في كل المجالات. سنسمع كلاما كثيرا سيئا. سنجدد أنفسنا في مواقع لانحسد عليها, لكن علينا أن نتحمل. البلد يطلب منا هذا, ودورته التاريخية تحتم علينا _ كل في مجاله أكررها لكي تفهم جيدا _ أن يصرخ في وجه رديئي ذلك الميدان "ديكاجيو, ضركو كمامركم". الناس ملت رؤية الحقد المطل من سحناتكم الكئيبة.
بالمقابل, وهذا هو درس زيارة دنيا يومي الخميس والجمعة لنا, البلد بحاجة لإشراقاته الجميلة التي يصنعها الوافدون الجدد. هؤلاء القادمون من أعماق أعماق المغرب, من الحي المحمدي العريق بالنسبة لدنيا, ومن أحياء فقيرة كثيرة تشبهه على امتداد الوطن ككل, سيمنحوننا دائما الإحساس بالخلود والبقاء, والإحساس بالقدرة على مقاومة الرداءة مهما تجبرت أو استطالت أو حاولت تصوير نفسها قوية.
لهم الشكر على مدنا بالقدرة مجددا على مقاومة الجالسين القرفصاء, يقضون حاجاتهم الوسخة يوميا على رؤوسنا دون أدنى خجل أو حياء.
ملحوظة لاعلاقة لها بماسبق
فهم إخوان مصر أن اللحظة مناسبة للوصول إلى حكم أرض الكنانة, وتراجعوا دون أدنى إشكال عن اتفاقهم مع كل الأطراف التي كانوا معها, لكي يعلنوا ترشيحهم لخيرت الشاطر لمنصب رئيس مصر في الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.
هل هي انتهازية سياسية فقط؟ في الحقيقة هيي علامة على أن السياسة بلا أخلاق تظل مسألة يؤمن بها الكثيرون بمن فيهم أولئك الذين يرفعون الشعارات الأخلاقية ويحاولون إقناع الناس بأنهم قادمون لكي يقدموا نماذج أخرى من العمل السياسي غير تلك التي سادت في السابق.
ماوقع أول أمس في مصر, يؤكد أن كثيرا من الشعارات تسقط حين الممارسة بسرعة, وهذه ليست إلا البداية, وغدا سنرى رئيس مصر الإخواني يزور تل أبيب تفعيلا لاتفاقيات كامب ديفيد.
من يراهن؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق