الخميس، 18 أكتوبر 2012


دفتر العابر

مليئة بالمطبّات
 وكانت النجوم التي ترصّع سماء الرحلة
شاحبةً كجمرٍ مُنهَك
 كنارٍ مضرّجة بالدماء 

لم تكن شقياً بسبب ذلك 
كنتَ فقط تشعر بالبرد 
لم تكن شقياً ولا حزيناً
 رغم إسفلت السهرة المتشقق ورغم الأشجار
التي حلّقت بعيداً باتجاه خريطة أخرى 
ورغم مرايا الغبطة التي انكسرت داخلك 

يرن جرس الباب. مشهد ساعي البريد غير مألوف لدي. قلت لياسين في الكلام الذي تبادلناه يوما إنني تعودت البريد الإلكتروني وأني لم أعد قادرا على مجاراة البريد التقليدي في هبائه، لذلك استغربت أن يرن الهاتف الداخلي للمنزل وأن أطل من الكاميرا التي تكشف كل شيء، فأرى رجلا يتأبط طردا بريديا يقول لي إنه قادم من مراكش 
فتحت له الباب بزر إلكتروني بعيد. تأملت في المفارقة الكامنة بين الإثنين، وانتظرت صعوده. أتى محملا بدفاتر عبور ياسين. 
تلقفت الهدية مثل أي مشتاق لمعرفة المفاجأة الكامنة في تلافيفها. 
توعدني ياسين في الإهداء ببعض الظلال قائلا بأنني سأجد بعضا مني فيها. في الحقيقة لم أجد هذا البعض. وجدتني كاملا فيما خطه هذا الفتى الآسر المسمى ياسين. 
هل قلت لك يوما إن دفاتر عبورنا جميعا ستكتب على صفحات هذا الفيسبوك اللعين؟ أو تعلم أنك، أننا نؤسس للقادم من الكتابة بهاته الخربشات المخطوطة على موقع زوكربيرغ العجيب؟ 
لا أدري، لكنك حرمتني النوم ليل العودة من مراكش. رأيت المنتخب، وعدت منتشيا بالانتصار الوهمي بالرباعية، في الغد أتى الحامل لبريدك متأبطا خيره ومتأبطا الديوان الجميل. 
متعب أنا بعد العودة من الحمراء، لكن غواية القراءة أقوى أحيانا من الغواية التي على بالك، لذلك بدأت و لم أنته إلا وأنا أردد "أكتب لنا المزيد من دفاتر العبور ياهذا"
 سألتك بالله أيها القمر المشدود إلى الغيمة العذراء متى تغيب ليعم العماء فننعم وننسى قليلا كم نكره بعضنا ننسى الزياتين التي على جنبات الطرق ننسى طعم زيتها المر وأوراقها التي يبست في بطون الكتب لرحلة ياسين في الأرض سبب وجيه. لرحلة الفتى المراكشي الهوى والانتماء في الدنيا كلها أكثر من علة تجد نفسها في دفتر العبور هذا. كنت دائما أسأل النفس مع كل عبور جديد إن كنا سنجد يوما من يؤرخ للحظات السفر المتعددة نحو مختلف الوجهات ساعاتها. أتى الجواب عبر هاته الدفاتر, يحث الخطو نحو كل مكان وطأه الشاعر, يجد فيه بعضا من ملابسات العيش ذات زمان, وكثيرا من مسببات الحكي لمن لم يكن معه في ذلك المكان. هل هو التأريخ بالشعر للرحلات؟ لا أدري. وقد يكون لياسين تبرير آخر للأمر, لكنني وجدت في الدفتر آثار المرور من هنا ومن هناك, ووجدت فيه مثلما سيجد القارئ بكل تأكيد علامات الاتصال. من باريس إلى بروكسيل مرورا ببازل وبرلين ففرانكفورت وقرطبة ثم الإبحار طيرانا إلى هيثرو في لندن في مطارات العبور نعلق شخيرنا على أول بوابة لكيلا يصدأ بين جفوننا النعاس نترجل عن غيومنا وسماواتنا نخبئ الأقكار في محاجرنا نبحث عن مدافن هشة لظلالنا ونتخفف تماما من جنون السفر وكأي أندلسي عابر من إفريقيا بعروبة الأمازيغ المنتمين إلى كل الأجناس التي مرت يوما على هاته الأرض, والمسمى بالاختصار المفيد "مغربيا", لا يمكن لغواية السفر إلا أن تكون أكبر من كل الغوايات, هذه الفتنة خلقت لنا نحن الذي ألقت بنا الطبيعة على ضفاف البحرين بين المحيط والأبيض, مطلين على بعد أربعة عشر كيلومترا فقط على الأوربين, محفوفين بظل الرمال المتسربل في أرجلنا بالأفارقة, المسكونين هوسا بالانتماء إلى العرب رغم البعد ورغم الاختلاف ورغم كل الأشياء, والحالمين يوما بالانضمام إلى الشمال الذي نعتقده يشبه عقولنا سر انتمائنا للعبور أننا كنا دوما عابرين, وسر عشقنا للحظات المرور من هنا إلى هناك هو أننا نحمل في الجينات الأولى للتكوين آثار كل من سافروا إلى أن وصلوا هذه الأرض وهذا المكان. لعله السبب الذي يجعلني أعتقد دوما أن في دواخل كل مغربي إبن بطوطة صغير, يعشق الترحال والعبور كلما أتيحت له فرصة ذلك, ويهوى وضع أشعاره على رصيف قيامة كل هاته الرحلات. ياسين في الديوان ليس إلا واحدا منا أتقن القبض على تفاصيل هروبه المتكرر, فأسماها دفاتر للعبور, وجعلنا خلال هنيهات القراءة الرائقة لما أبدعه, ملزمين كل مرة بالسفر معه حتى الأمكنة التي لم نطأها ربما يوما, لكننا نعرفها خير المعرفة وإن بالسمع والإنصات. عمر واحد لايكفي أيتها الأسفار عمر واحد لا يكفي ياخطوط العرض أحتاج أعمارا متلاحقة كأنفاس...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق