الجمعة، 27 يوليوز 2012

أنت حر..ولكن (+)

حرية التعبير "مضمونة" في المغرب. لا أدل على ذلك من قضية عبد الله نهاري الأخيرة. انتقلنا فجأة من الحديث عن الحرية إلى ضرورة الحديث عن إلزامية الدفاع عن حق من تحدث عن هاته الحرية في الحياة. المشهد خرافي فعلا, ويؤكد لنا أننا نحن الذين اعتقدنا أن حرية التعبير هي مسألة تقنية من الممكن أن نضمنها بدستور جديد, وبالاتفاق بيننا في الصالونات المكيفة والمغلقة على احترامها مهما كان الثمن, أخطأنا تماما في الاعتقاد, وأننا ملزمون بالبدء من جديد إذا ما أردنا فعلا احتراما ولو صغيرا لحرية التعبير هاته في البلد. حرية التعبير "مضمونة" في المغرب. مضمونة ضمانة مؤقتة. لم نعد بحاجة إلى قوانين زجرية غاية في القسوة, ولا إلى عقوبات حبسية من تلك التي يسميها أهل الصحافة على سبيل الدلع "السالبة للحريات" لكي نحد من حرية التعبير هاته. لا, المسألة "أرقى" اليوم بكثير. في القوانين المكتوبة كل شيء يقول إن الحرية مضمونة, لكن على سبيل التطبيق يكفي أن نطلق في الشارع العام رجلا يقول عن نفسه إنه داعية لكي يكفر ويأمر بالقتل, أو أن نفتح المساجد التي تخضع لرقابة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لكي تحدد خلال خطب الجمعة من المسلم الصالح ومن الذي يجب أن نؤلب عليه الرأي العام وجموع المصلين الذين يفترض أنهم أتوا إلى الجامع من أجل أمنهم الروحي والمزيد من الضمان له, لا من أجل سماع خطب الفتنة المبنية على سماع نصف الكلام, وعدم السماح لمن نوجه له الاتهام بأن يدافع عن نفسه, لاستحالة المهمة نهائيا, إذ كيف تتصورون أن يطوف المرء على كل مساجد المملكة لكي يوقع بيان الحقيقة الساخر هذا الممهور بالرغبة فقط في الحفاظ على انتمائه لهذا الدين قبل أن يجرده السادة الخطباء الأفاضل منه؟ منحتنا الضجة الكبرى التي وقعت مؤخرا في المغرب حول الحريات الفردية, وضمنها حقوق العزاب الجنسية وحقوق احترام الشعائر الدينية, وما إلى ذلك الفرصة لكي نشاهد أنفسنا في المرآة جيدا: مجتمعنا لايقبل حرية التعبير نهائيا, وهو مستعد في سبيل دفاعه عن حريته في عدم قبول هذه الحرية للوصول إلى الحد الأقصى المسموح به: أي التكفير والدعوة إلى القتل وتشويه السمعة, والاتهام بكل الأوصاف الممكن تصور وجودها على سطح الأرض. هل نلوم المجتمع على ذلك؟ طبعا نوجه له جزءا غير يسير من اللوم, لكننا نلوم أولا وقبل كل شيء نظامنا التعليمي الذي ينتج لنا هذه الطريقة في التفكير العاجزة تماما عن تصور وجود رأي مخالف لها, من الممكن أن يلجأ لتعبيرات قد تصدمها, لكنها ملزمة بقبولها مهما بلغت حدة هذه الصدمة, لأن هذا القبول هو الفرق في الختام بين الحضارة والجهل, بين التقدم وبين التخلف, بين المدنية التي نريد الوصول إليها وإلى جعلها الفيصل في حل كل خلافاتنا, وبين التشنج الذي لايمكنه في يوم من الأيام أن يكون حلا لأي شيء, لأنه مشكل وسيبقى مشكلا إلى أن نجد له حلا ذات زمن قد يكون قريبا, وقد يكون بعيدا. الدولة أيضا لها نصيب وافر من المسؤولية تجاه ضمان حرية التعبير هاته. من غير المعقول ولا المقبول أن نتيح لمن يريد ذلك أن ينهش لحم الناس وأعراضهم, فقط لأن هؤلاء الناس عبروا عن فكرة أو رأي لم يرقه. المجتمع الذي نصفه بالديمقراطي الحداثي الذي نريد بناءه في المغرب, والذي لانكل كل يوم من تكسير آذان مواطنينا بالقول إننا متشبثون به, هو مجتمع يضمن لكل التعبيرات حقها في الوجود. وعندما نرسب في أول امتحان بسيط, ونلمس أن هناك نوعا من القبول من طرف الدولة بهذا التضييق على حرية التعبير لأنه يسير في اتجاه مصلحتها, هي التي تريد أن تكون الشيئين معا: ضامنة حرية التعبير وضامنة عدم احترام حرية التعبير, حينها نفهم أن المسألة معقدة جدا ويلزمها غير قليل من الوقت لكي تجد لنفسها أو لكي نجد لها نحن _ إذا ما فهمنا مسؤوليتنا التاريخية تجاه بلدنا _ هذا الحل العجيب والمنشود. أخيرا وعلى سبيل المثال الذي يوضح المقال مثلما يقول النحويون, قال لي مسؤول خلال الأزمة الأخيرة التي خلقتها فتوى نهاري "حطيتونا فموقف محرج, حنا معا حقكم تقولو اللي بغيتو, ولكن يلا درنا لو شي حاجة غادي ينوض علينا الرأي العام, وغنتسماو موافقينكم على داكشي". بالنسبة لي هذه الجملة لوحدها تقول لنا الشيء الكثير عن وضعية حرية التعبير في المغرب, وعن المسافات التي يجب أن نقطعها من أجل الوصول إليها في يوم من الأيام, إذا ماكنا جادين طبعا في الوصول إلى هذا الوهم الجميل الذي يسير الدول المتحضرة حقا لا قولا فقط. (+) كلمة ألقيت الإثنين في ندوة "بيت الحكمة"عن حرية التعبير والتفكير في المغرب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق